الحديث اليوم يدور بشكل يومي عن حمى الانتخابات النيابية والبلدية التي باتت تطغى على الساحة الإخبارية، ومع قرب الاستحقاق الانتخابي، بدأ غالبية الناخبين الضغط بقوة من خلال الحملات الانتخابية، وفتح المقار الانتخابية، وتحريك فرق العمل لتقوم بالاتصال بالناس والتواصل معهم، إما بزياراتهم في البيوت أو الاتصال على الهواتف.

شخصياً مررت ببعض المواقف، أذكر منها نماذج، إذ ذات يوم تلقيت اتصالاً من حملة أحد المرشحين، يستعرضون فيها سيرته الذاتية، وبرنامجه الانتخابي، ويطلبون بشكل مهذب التصويت له.

أول ما تبادر للذهن، هي عملية الوصول لرقم هاتفي الخاص، وكيف تمت معرفة عنوان سكني، وطبعاً الإجابة تكمن في قوائم الناخبين التي تمنح للمترشحين من قبل الجهات المعنية، والتي فيها تجد أسماء الناخبين وأرقامهم الشخصية. وهنا نقطة جدال تتمثل بنشر الأرقام الشخصية بهذه الصورة، وهي أرقام لها خصوصية وتدخل في إطار كثير من المعاملات، وأخطرها تلك التي تتم عبر شبكة الإنترنت.

لعلها نقطة تحتاج لمراجعة، لأن بعض الناخبين يستاؤون من ذلك، لكن نضيف إليها ملاحظة وصلتنا من عدة ناخبين يشكون فيها بعض الممارسات التي تقوم بها فرق العمل الخاصة بالمرشحين، من الطرق على البيوت، والقيام بزيارات ميدانية في أوقات غير مناسبة وتضايق أهل المنزل، بل إحدى الناخبات تقول بأنها كانت مع ابنتها الصغيرة في صالة المنزل، وتفاجأت بسيدات من حملة أحد المرشحين يدخلون عليها لداخل الصالة، طبعا باب البيت كان موصدا لكن لم يكن مغلقا.

مثال آخر، يرتبط بعملية إرسال الرسائل النصية عبر الهواتف، إذ تفاجأت بعدد غير قليل من الرسائل، يصل بطريقة أوتوماتيكية لهاتفي، والغريب أنها من مرشحين من دوائر انتخابية بعيدة جدا. والسؤال هنا، هل أرقام الاتصالات تؤخذ من شركات الاتصالات نفسها، رغم أنه بحسب معرفتي منح الأرقام بدون رغبة أصحابها أمر لا تقبله هذه الشركات.

أيضا، بعض الإعلانات التي توضع بطريقة خاطئة مما تسبب ضيقا للناس، أو تكون خطرة عليهم، خاصة بعض الإعلانات الكبيرة التي تساقطت على وجوهها بسبب الرياح والأمطار وبعض منها يطل على شوارع فرعية في بعض المناطق، بالتالي تجد إعلاناً ساقطاً يغطي نصف الشارع، وكذلك سجلت حالة لإعلان يقطع طريق المشاة في أحد المماشي التي أنشئت لممارسة رياضة المشي والجري.

مثل هذه الأمور تسبب استياء للناخبين، وتعد من الممارسات غير الحضارية التي تكثر اليوم في إطار الحملات الانتخابية.

لكن أكثر ما يزعجني شخصياً، وأجزم بأنه يزعج الناخبين أيضاً، مسألة لا تتعلق بطرق الأبواب أو اقتحام الهواتف عبر المسجات، أو الإعلانات الموضوعة بطرق خاطئة، بل تتعلق بالعنصر البشري نفسه، أي المترشح ذاته.

ففي موسم الانتخابات وضمن مساعي كثير من المترشحين إحياء خيامهم الانتخابية بندوات وفعاليات، يكثر الطلب على الإعلاميين والكتاب، بحيث يطلب منهم تقديم محاضرة أو ندوة ما. رغم أن قناعتي دائماً تكون بأن المقر الانتخابي للمترشح يجب أن يستمع فيه الناس للمترشح نفسه، وليس لأحدا آخر، هم لا يريدون أحداً يأتي ليزكيك ويتحدث عنك، هم يريدونك أنت تتحدث وتشرح برنامجك وتجيب على أسئلتهم، وتتكلم بالتفصيل الممل عن شعاراتك والآليات العملية التي ستتبعها حتى تحققها، وحتى لا تكون مجرد كلام يغازل به المرشح الأصوات.

وعليه، تتفاجأ باتصالات وعمليات تواصل من أشخاص مترشحين، يطلبون دعمك ووقفتك، ويطلبون منك تقديم محاضرة في مقارهم، وهذا ليس بخطأ، لكن الخطأ أن هذا التواصل وهذه الاتصالات تأتي بعد عملية صمت دامت لأربعة أعوام، أي منذ الانتخابات السابقة، بمعنى أنك تتذكر اليوم الأشخاص الذين تحتاج لأن يسندوك، في وقت أنت لا تعرف عنهم أي شيء طوال أربعة أعوام، ولم يكن هناك أي تواصل إطلاقاً على الصعيد الاجتماعي بهم، وطوال أربعة أعوام سابقة كأنهم غير موجودين، واليوم فجأة يصبحون أعز الناس وأحب المعارف!

لحديثي مغزى واضح، إن كانت هذه طريقة البعض للتعامل مع إعلاميين وكتاب ومتحدثين، فكيف هو الوضع مع الناس الذين نريد أصواتهم؟! الإجابة طبعا لدى الناس أنفسهم، لكن الوجع هنا حين يقول لك الناس بأن أترك عنك المترشحين الذين بعضهم الآن يوهمنا بأننا أشخاص مهمين بالنسبة لهم، وأننا «على راسه من فوق»، لأن هناك نواباً فعليين لم يعرفوا الناخبين الذين صوتوا لهم طوال أربعة أعوام، واليوم يعودون للظهور على السطح وشعارهم «من أجلكم نعمل»!

واضح جداً، من أجل من تعملون.