دُعيتُ منذ أيام لحضور عرض لفرقة موسيقية زائرة، ولأنني أحب الموسيقى وأرى أنها تُشكّل الروح لم أتردد للحظات في قبول الدعوة، وغالباً عندما تتم دعوتي لمثل هذه المناسبات أحرص على مرافقة أبنائي لي، فهذه الفعاليات تُسهم بشكل كبير جداً في صقل تجاربهم الحياتية.

في يوم العرض اتصلتْ لي إحدى الموظفات في شركة التنظيم وطلبت مني الحضور في تمام الساعة الثامنة مساءً، وهكذا كان في تمام الساعة الثامنة إلا ربع مساءً كنت أقف أمام بوابة الفندق الذي ستقام فيه الحفلة، بودٍّ رحبتْ بي الموظفة وسلّمتني تذاكر الدخول، قالت لي «الحضور مكتمل هذه الليلة وهذه هي التذاكر الأخيرة» عند بوابة قاعة الاحتفال أَعطيتُ لكل واحد من أبنائي تذكرته الخاصة، ولكني انتهبت أن الموظفة قامت بإعطائي تذكرةً إضافيةً، تردّدتُ للحظات «ماذا عليَّ أن أفعل؟» قلت أسأل نفسي، «هل أعود للموظفة وأعطيها التذكرة أم أنسى الموضوع وأُبقي التذكرة معي للذكرى؟» نظرت إلى أبنائي وقلت لهم «أخطأت الموظفة وأعطتني تذكرة إضافية» بلا تردد وبصوت واحد قالوا لي «ماما بسرعة اذهبي لتُعيدي التذكرة سنقف بانتظارك» كانت الأبواب على وشك الإغلاق ورجل الأمن كان ينظر إلينا ويشير بيده إلى ساعته، لم أستطع حينها التغافل عن تلك التذكرة الإضافية مع نظرات أبنائي إليّ، ذهبتُ مسرعة للموظفة التي كانت تهمُّ بالذهاب وقد لملمتْ ما أمامها من أوراق، قلت لها «لو سمحتِ لقد أعطيتِني تذكرة إضافية، تفضلي لا حاجة لنا بها» مددتُ لها يدي بالتذكرة، وابتعدت وأنا أرى نظرة الاستغراب تعلو وجهها.

عُدتُ مُسرعةً لأبنائي وذهبنا للبوابة التي فَتحَ لنا أبوابها رجلُ الأمن وهو يقول «بسرعة يجب أن أُغلق الباب». كان التنظيم في القاعة دقيقاً،ما إن دخلنا استقبلنا أحد الموظفين وأرشدنا لمقاعدنا، عمَّ الصمتُ وأُطفأت الأنوار وتسلّط الضوء على المسرح الكبير «معذرة هل لي أن أمُرّ؟» سمعت صوت السيدة الخافت في الظلام فرفعت رأسي فإذ بسيدة تحاول المرور لتجلس في الكرسي المجاور، تنحّيت جانباً وأسرعت بالجلوس وهي تلهث قائلة: لم أكن أتوقع الحصول على تذكرة، حضرتُ متأخرة والموظفة التي تقف في البوابة قالت لي إن التذاكر نفدت، شعرت بالحزن الشديد وعندما هممت بالمغادرة فإذ بها تنادي عليّ وتعطيني تذكرة كانت إضافية لدى أحد الضيوف»، صمتت السيدة وأنا أنظر أليها بتعجّب شديد، قلت أحدث نفسي «لهذا كانت موظفة التنظيم مستغربة عندما سلّمتها التذكرة الإضافية».

غريب كان الموقف وغريبة تلك المشاعر التي تملّكتني حينها، كنت أنظر للسيدة بجانبي أكثر مما كنت أنظر للفرقة الموسيقية، كانت مشاعر السعادة المرتسمة على وجهها تشعرني بالغبطة أكثر مما فعلت الفرقة الموسيقية، كنت أختلس النظر إليها وأنا في قلبي أشكر الله أنني أعدت تذكرة المقعد الأخير.

كيف تتشكل الأقدار بلا إرادة منا، إنها إرادة الله فوق كل شيء. كان من الممكن أن أتغاضى عن تلك التذكرة، كنت سآخذها معي إلى البيت وأضعها في صندوق للذكرى، لكن هذا الموقف سيبقى معي دائماً، سيذكرني كيف أن كل موقف نتعرض له إنما يحدث لسبب قد نعلمه وقد لا نعلمه، المواقف الكلمات والخبرات التي نمر بها وتمر من خلالنا ليست عبثية، لا شيء في هذه الأرض يحدث عرضياً، كل ما يحدث مخطط له، كلها إرادة الله، فقط حاول أن تستمع لصوتك الداخلي عند كل موقف، حتى وإن كان حدسك غير منطقي، تأكد أن هناك سبباً جعلك تشعر بهذا الشعور، أرواحنا تحدثنا كل يوم ولكن من يسمع النداء؟ خُلقنا نحن من روح وجسد ونفس، لم نخلق أجساداً فقط، أعطِ روحك الفرصة لترشدك فما تقوم به من تصرّفات أو أفعال تؤثر بشكل أو بآخر في حياة الآخرين وإن كنت لا تعلم فهي تؤثر، فقط ثق بحدسك ولا تتردد.

الخلاصة: قد تُغلق الأبواب من حولك، ولكن في طريق عودتك قد يُفتح ذلك الباب الجانبي ويدعوك للمرور، تذكّر دائماً أنك قد تحصل على تذكرة المقعد الأخير.