تعرّض اثنان من صانعي القرار في الدولة لحملة تنمر على وسائل التواصل الاجتماعي إحداهما على وزير الإسكان الأخ باسم الحمر والثانية على عضو مجلس الشورى الأخ عادل المعاودة.

بدأت الحملة بنشر مقاطع فيديو ومعها تعليق من أحد ما على الجزء المنشور، وتوالت التعليقات التي لم تبقِ ولم تذر ودون رحمة، انتظرت أن أسمع أحداً يسأل أو يطلب نشر الحوار كاملاً للحادثتين، إذ لا يمكن أن تعرف الحقيقة إلا حين تسمع بقية الأجزاء من الحوار، وتعرف أين ولماذا قيل ما قيل؟ وضمن أي سياق؟ ولكن مع الأسف وكالعادة لم يهتم أحد بمعرفة تلك الأجوبة، فالموجة قد ارتفعت ومجموعة «شرشحوه» على وسائل التواصل الاجتماعي وجدت ضالتها وتسعد جداً لأنها تعرف أن البعض متفاعل ما شاء الله مع كل ما هو «طنازة»، ينقل ولا يسأل وكأنه لا يريد أن يعرف، ولا تعنيه الحقيقة بالنسبة له الكلام كان «واضحاً»!!

كيف يكون واضحاً رغم أنه من البديهيات أنك حين تسمع جملة مقتطعة من حوار ما تسأل عن بقيته إذ قد يختلف رد فعلك.

بالنسبة للجزء المتقطع من حوار الأخ عادل المعاودة أعرف رأي المجتمع البحريني الكريم في موضوع الشركات التي لا تدفع رواتب العمال الأجانب لشهور، إذ لطالما دافع عنهم برحمة وبكرم وبخلق إنساني حين وقعت مثل تلك الأحداث ولام المجتمع البحريني أصحاب الأعمال والشركات التي تترك هؤلاء دون راتب وفي ظروف قاسية، ولطالما فزع أهل البحرين لتلك الحالات لأن رسولنا الكريم حثنا على إعطاء الأجير أجره قبل أن يجف عرقه، وقد كان مجلس الشورى يناقش الحلول المقترحة لعدم تكرار مثل هذه المشكلة وأحدها سن قانون يجبر الشركات على فتح حسابات بنكية للعمال بدلاً من ترك الأمر معلقاً بتسليمهم راتبهم نقدياً كل شهر، فجاء المقترح بقانون حتى يتم تحويل المبلغ تلقائياً للعمال.

ضمن هذا السياق جاء كلام عضو مجلس الشورى واصفاً حال العامل البسيط المغترب في حال تأخر دفع راتبه، ولو عرفنا أن الحديث جاء في هذا السياق لاختلف رأينا.

وحين قارن البحريني مع الأجنبي فإن المقارنة جاءت في سياق أنه لو حصل له مثل هذا الظرف للغريب، الاثنان سيتضرران ولكن العامل البسيط كعمال البناء أو عمال النظافة مثلاً سيكون الضرر عليهم أكبر باعتبار غربتهم وضعف رواتبهم، وكان مدافعاً عن خيار فتح الحسابات البنكية في الشركات وبالطبع سيستفيد البحريني وغير البحريني من هذه الخدمة التي ستحفظ لهم حقوقهم.

هذه المعلومات نشرت على موقع المجلس، إنما من يقرأ؟ وحتى لو لم يقرؤوا لم يسألوا، ولم يتحروا، الجميع برأ ذمته بأن ناقل الكفر ليس بكافر، من اقتطع الحوار اختار الجزء الذي قال فيه إن الأجنبي الغريب أحوج للرعاية ووقف هنا ولم ينشر لا ما قبلها ولا ما بعدها.

أما وزير الإسكان الذي كان في جولة مع عدد من المواطنين لزيارة عدد من الوحدات السكنية التي تم تأثيثها لتكون نموذجاً استرشادياً، فجاءت عبارته عن سعة القلب رداً على انطباع أحد المواطنين حين رأى النموذج وعلق بقوله «كا في سعه» أي أن هناك متسعاً للأثاث فجاءت عبارة سعة القلب ضمن هذا السياق، وأما الحديث الذي جرى على السطح فقد كان الوزير يروي حكاية لسيدة من الحد تقول له مازحة «لماذا أسافر وأنا أرى الطائرات مقلعة وهابطة من مكاني ومن بيتي» ومن حضر اللقاء سمع هذا الحوار كاملاً إنما من اقتطعه اختار العبارات مجتزئة.

أعرف نزاهة الوزير من تقارير ديوان الرقابة المالية، وأعرف نظافة يده من حجم إنجازه الوظيفي، وأعرف التزامه الديني والخلقي، وأعرف أنه أبعد ما يكون عن من صوره متعالياً مترفعاً على المواطن البحريني، حتى دون أن أسمع بقية الحوار بما سبق الجزء المقتطع وما لحقه، وليت من حضر اللقاء من الزوار والمواطنين يكمله لنا، وهو آخر من يستحق ما جرى له.

ملحوظة.. لا أتكلم هنا عن مساحة البيت الإسكاني بل أحصر اهتمامي هنا على الحملة التي شنت على الاثنين بناء على حوار مقتطع لا نعرف فحواه ولم نسأل، أتحدث عن حملات التنمر الظالمة التي نساهم جميعنا فيها بحجة حرية التعبير والنقد وهي قميصنا العثماني الذي نعلقه لنريح ضمائرنا.

المأساة أنه إلى جانب مجموعة «شرشحوه» التي نصبت نفسها حامياً للحمى وهي التي تدير الحملات وتبدؤها على وسائل التواصل الاجتماعي، هناك حسابات وهمية تذكي النار حطباً وتصب الزيت عليه لأغراض نعرفها ونتكفل نحن بالبقية دون تفكر.

للمواطن حق التعبير وحق النقد بل وحق الاعتراض، ولا أحد يجرؤ على التكبر عليه أو الغرور أو الترفع عنه فهو تاج الرأس والحكومة كلها في خدمته، ونحاسبها إن قصرت أو أخطأت، ولكن أسألكم بالله هل ما يجري يقع ضمن هذا السياق؟