بعد جفاف كوميدي طويل استمر لعقود لم نشهد خلاله تواجداً مؤثراً لفن الإضحاك في البحرين جاءتنا السوشال ميديا لتقدم لنا باقة رائعة من النكت والتعليقات والمبدعين الساخرين بحيث يجعلونا أخيراً نقهقه من أعماق القلب.

والواقع يقول إن السوشال ميديا تقدم لنا حالياً أساليب أخرى للتعامل مع قضايانا دون اللجوء إلى الصدام ومسلسل المسيرات المزعجة التي كفلها القانون لكن أسيء استغلالها سابقاً لدرجة أصبحت غير مرغوب فيها نهائياً.

وقد يرى البعض أن الكوميديا الساخرة إذا وجهت تجاه جهة رسمية أمر يثير المخاوف وقد يعطي مؤشراً لوجود أيادٍ عابثة وهذا تفسير مفهوم بلا شك. حيث نعلم من تجارب بلدان أخرى أن نكتة واحدة أحياناً أو تعليقاً ساخراً إذا انتشرا قد يؤديان إلى حالة من الفوضى تؤثر سلباً على الاستقرار العام.

لكن في المجمل أعتقد أن هذه الكوميديا الحديثة التي تصلنا إلى هواتفنا تعطي مؤشراً آخر من الضروري الإلتفات له.

والمؤشر هو أننا بدأنا بشكل عام نضحك من وعلى مشاكلنا. بدأنا نأخذ الأمور ببساطة أكثر من السابق ولا نصعدها إلى مواضع يصعب التراجع عنها بسهولة كما كان يحصل في السابق. وصلنا إلى حالة من القناعة والقبول بالواقع بحيث نتعامل معه بأساليب أفضل.

في زمن ما فقدنا حسنا الكوميدي Sense of Humor منذ أن حولنا كل مشكلة ولو بسيطة إلى قضية رأي عام جادة وحزينة تصحبها تصريحات نارية من سياسيين «أي كلام».

المراقب يرى أن الأمور أصبحت أهدأ كثيراً بعد أن ابتعد المشاغبون وبعد أن اتسع صدرنا للكوميديا والضحك.

الأمر الآخر هو أن السوشال ميديا في تصوري نجحت في محو الصورة الذهنية التي رسمناها لأنفسنا كشعب بأننا لا نجيد فنون النكتة و»الغشمرة» وأن أسلوبنا في الكوميديا «ثقيل». لأن ما يصلنا حالياً دليل على قدرة كبيرة على الإبداع وابتكار النكتة والتعليقات المضحكة.

والشيء بالشيء يذكر، حيث وجهت لي دعوة لحضور عرض كوميدي خلال عطلة نهاية الأسبوع أبطاله من البحرينيين الذين عرفناهم من خلال شاشة الهاتف النقال.

سعدت جداً بالدعوة وبفكرة العرض وجرأتها في تحدي الاعتقاد السائد بأننا غير قادرين كبحرينيين على الإضحاك - أو حتى الضحك أحياناً - وكنت مصراً على الحضور.

وبصراحة لم يخيب ظني الذين صعدوا على خشبة المسرح واسترسلوا في قفشاتهم بأسلوب الـ Stand Up Comedy المستورد من أمريكا - و لا مشكلة في ذلك - حيث قدموا ساعة مليئة بالضحك تجاوب معها الجمهور بشكل جيد.

المواضيع التي طرحت ناسبت الحضور - أغلبه من الشباب - ولامست يومياته لذلك تجاوب معها وضحك وصفق. ويبدو أن شباب هذه الأيام، لا يريد ولا يعرف الصدام أو التأزيم أو التصعيد. بل كل ما يحتاجه هو التنفيس وفي كثير من الأحيان الضحك على نفسه ومواقفه. وهذا على الأقل هو الظاهر حتى الآن «وكي لا يكون الطرح ساذجاً، علينا أن نكون حذرين من الإفراط في الضحك والسخرية دائماً كي لا تخرج الأمور كثيراً عن سياقها».

إذاً، مع مرور الوقت وتغير الزمان نبدأ في تداول قضايانا بشكل أكثر سماحة وبأساليب مقبولة لجميع الأطراف لا تؤدي إلى الأزمات. وهذا بحد ذاته تطور جميل ومشجع.

شخصياً أشعر أن وطني يضحك!