اعتراف النظام الإيراني بإسقاطه للطائرة الأوكرانية «بوينغ 737» الأربعاء الماضي والذي تسبب في مقتل ركابها وعددهم 176 شخصاً سيؤدي إلى لخبطة أوراق النظام، ويضعه في مأزق جديد لم يكن في حسبانه، بعد أن كان هذا النظام يلوح بـ»قميص» قاسم سليماني متخذاً منه العذر لدخول المنطقة في مزيد من الصراع.

النظام الإيراني دخل من متاهة جديدة بعد اعترافه بإسقاطه الطائرة الأوكرانية، رغم كل محاولاته منذ لحظة سقوطها وحتى لثلاثة أيام تالية نفيه التسبب في هذه الحادثة، وتملصه من مسؤوليته في هذا الفعل الشنيع، إلا أنه في الأخير اعترف بهذا الفعل الأرعن، حتى وإن وصفه بالفعل «غير المقصود» أو بـ»الخطأ» كما ذكر بيان النظام الرسمي، إلا أنه اعترف بمسؤوليته عن هذا الهجوم على الطائرة الأوكرانية، واعتذار محمد جواد ظريف وزير خارجيته للشعب الأوكراني معزياً أسر ضحايا الطائرة.

إن لجوء النظام لقصف طائرة مدنية تحمل ركاباً مدنيين، واستخدامه لتعبير «بالخطأ» يأتي دلالة واضحة على أن النظام الإيراني لا يعرف حتى التمييز بين طائرة مدنية من طائرة عسكرية، وإلا لما اتجهت صواريخ إيران صوب الطائرة وقصفتها، وحتى وإن فرضنا أن هناك «خطأ غير مقصود» كما قال النظام الإيراني، فهذا يعني أن الأجهزة الإيرانية التي ترصد الملاحة الجوية متخلفة إلى أبعد الحدود، وهو ما يؤكد ضعف أنظمة الدفاع الإيراني، وأنه لا يستطيع الدخول في حرب لا مع الولايات المتحدة أو غيرها.

النظام الإيراني الآن في وضع لا يحسد عليه، حيث جاء قصفه للطائرة الأوكرانية لتقلب الطاولة عليه، في أوج وقت اندفاعه ولهثه وراء الانتقام لمقتل قاسم سليماني، سعياً منه لإشعال المنطقة وإدخالها في نفق مظلم، ولكنه الآن يجد نفسه في واقع مختلف، لدرجة أنه لم يستطع المراوغة عن قصف الطائرة سوى أيام قليلة، قبل أن يعترف بمسؤوليته عنه وتسببه في هذا الهجوم غير المبرر، وبالتالي زاد الضغط عليه من قبل المجتمع الدولي خاصة الدول التي تواجد عدد من رعاياها في الطائرة الأوكرانية، مثل كندا وبريطانيا وألمانيا وطبعاً أوكرانيا، ليعتذر النظام ذليلاً عن فعله الشنيع، وشمل الاعتذار أيضاً سفير هذا النظام في بريطانيا لنقله نتائج خاطئة حول الطائرة الأوكرانية، حسب قوله.

وما يتخوف منه النظام الآن هو حجم التعويضات المطالب بدفعها لأسر ضحايا الطائرة الأوكرانية، وهذا ما طالب به رئيس أوكرانيا، وقد تصل تلك التعويضات إلى ملايين الدولارات، في وقت تمر فيه إيران بأصعب أزمة اقتصادية تواجهها نتيجة للعقوبات الأمريكية، جعلت من اقتصاد إيران متهالكاً وشبه ميت.

النظام الإيراني أمام خيارين أحلاهما مر، فإما دفع التعويضات وسيتم ذلك على حساب الشعب الإيراني والميزانية المتهالكة أصلاً للنظام، وبالتالي زيادة السخط والغضب الشعبي، خاصة وأن التعويضات ستكون على حساب هذا الشعب الذي يعيش في وضع اقتصادي صعب جداً، أو الخيار الثاني وهو عدم الدفع وهذا سيعرضها للمزيد من الضغوطات والتنازلات عن أمور ربما كانت تراهن عليها قبل تسببها في حادثة سقوط الطائرة الأوكرانية، وهذا سيجعل النظام الإيراني تحت رحمة الولايات المتحدة، خاصة وأن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع الوقوف أكثر مع هذا النظام بعد حادثة الطائرة التي حملت ضمن ضحاياها جنسيات أوروبية أيضاً.

ويبدو أن السحر قد انقلب على الساحر، فإيران بعدما كانت تلوح بورقة قاسم سليماني، وتلهث وراء الانتقام لمقتله، أصبحت الآن مطالبة ومدينة بالملايين وربما المليارات بعد إقدامها على قصف طائرة مدنية باعتراف النظام نفسه، والمجتمع الداخلي الإيراني يمكن أن يشهد مزيداً من الضغط والغضب والسخط الشعبي على هذا النظام، وهذه ورقة جديدة سوف تستخدمها المعارضة الإيرانية سواء الداخل أو الخارج في طريقها لإسقاط النظام.