يتجه العالم حثيثاً نحو زمن من دون يسار. حيث يشهد اليسار الأيديولوجي في حالة من الانحسار العام. وقد بدا ما بقي من اليسار العربي في حالة تلاشٍ شبه كامل، جعلته يتشبث بتلابيب الإسلام السياسي في أغلب الحالات. هذا التيار الإسلامي الذي صعد على حساب التيارات اليسارية وتصدر المشهد ووصل الحكم في بعض الحالات، وألحق به بعض الأفراد من بقايا اليسار للزينة السياسية، استجابة للخلطة التي يطلبها ويفرضها الرعاة الدوليون.
وبالرغم من أهمية الدور المتراكم لقوى اليسار العربي في الثورات أو الانتفاضات الشعبية فقد بدا اليوم ذاوياً مهزوماً. وزاد من عمق أزمته عجزه عن اجتراح طريق جديد يجيب على التحديات الجديدة وعن حالة الانحسار والضعف، ويقطع مع المفاهيم التي أثبتت الأحداث لا جدواها. وإذا كان أحد أهمّ أسباب هذه الأزمة يعود إلى إشكالات فكرية أو سياسية، فإن إشكالية بعض تشكيلات اليسار العربي ترتبط في بعض أبعادها بالبنية الطائفية أو القبلية للمجتمع، والتي انتقلت إليه بشكل واضح خلال موجة الربيع العربي في2011. إذ أدت تلك الأحداث إلى مفارقات غريبة: فتيارات الإسلام السياسي التي حاربت اليسار وأخرجته من «جماعة المؤمنين»، بل وكفرته، أصبحت تفتح له الباب ليكون جزءاً من حلف غير مقدس. ولذلك لا يمكن الحديث عن منطق التطور الطبيعي للأفكار أو عن تحولات فرضتها الأوضاع التاريخية والاجتماعية، وإنما كل ما هنالك أنّ بقايا اليسار الذي كان في حالة احتضار، ارتمى في أحضان الإسلام السياسي بحثاً عن طوق نجاة، إلا أنه وبدلاً من تحقيق النجاة هلك أو كاد، عندما خسر «مناعاته» وهويته، لجهة التحاقه التدريجي بالليبرالية الاقتصادية على صعيد المنظور الاقتصادي الاجتماعي، ولجهة فقدانه العميق للمعايير السياسية لتبرير تحالفه مع تيارات الإسلام السياسي التي أصبحت ملاذاً لفلول اليسار العربي في طريق البحث عن شرعية شعبية.
إن الجماعات الإسلامية لم تعد مجرد جماعات محافظة تدعو إلى الدين القويم، بل أصبحت إطاراً سياسياً تضم قوى مطالبة بالتغيير السياسي، ولكن هذا الإطار الذي يدعو إلى التغيير هو ذاته إطار للمحافظة وخزان للأفكار التقليدية والرجعية المعادية للحداثة والتقدم والحرية والمساواة. ومن المؤسف أن بعض قوى اليسار فضل الارتباط بهذه القوى لقناعته بأنها قادرة على إحداث التغيير، ولكن ما هو هذا التغيير وما مضمونه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، فتلك الأسئلة لا يشغل باله بها على خطورتها.
وبالرغم من أن قوى اليسار العربي تمتلك تراثاً مهماً على صعيد التنظير والبرامج، فإنها تعاني من عجز عن التأثير في حركة الواقع، وفي استقطاب الجماهير، فهي قد تمتلك بعض «أفضل الأفكار»، ولكنها تمتلك أسوأ سجل لـ«أسوأ الممارسات» على صعيد التجربة العملية، مما يجعلها تعيش في متاهة لا تقوى على الخروج منها.
{{ article.visit_count }}
وبالرغم من أهمية الدور المتراكم لقوى اليسار العربي في الثورات أو الانتفاضات الشعبية فقد بدا اليوم ذاوياً مهزوماً. وزاد من عمق أزمته عجزه عن اجتراح طريق جديد يجيب على التحديات الجديدة وعن حالة الانحسار والضعف، ويقطع مع المفاهيم التي أثبتت الأحداث لا جدواها. وإذا كان أحد أهمّ أسباب هذه الأزمة يعود إلى إشكالات فكرية أو سياسية، فإن إشكالية بعض تشكيلات اليسار العربي ترتبط في بعض أبعادها بالبنية الطائفية أو القبلية للمجتمع، والتي انتقلت إليه بشكل واضح خلال موجة الربيع العربي في2011. إذ أدت تلك الأحداث إلى مفارقات غريبة: فتيارات الإسلام السياسي التي حاربت اليسار وأخرجته من «جماعة المؤمنين»، بل وكفرته، أصبحت تفتح له الباب ليكون جزءاً من حلف غير مقدس. ولذلك لا يمكن الحديث عن منطق التطور الطبيعي للأفكار أو عن تحولات فرضتها الأوضاع التاريخية والاجتماعية، وإنما كل ما هنالك أنّ بقايا اليسار الذي كان في حالة احتضار، ارتمى في أحضان الإسلام السياسي بحثاً عن طوق نجاة، إلا أنه وبدلاً من تحقيق النجاة هلك أو كاد، عندما خسر «مناعاته» وهويته، لجهة التحاقه التدريجي بالليبرالية الاقتصادية على صعيد المنظور الاقتصادي الاجتماعي، ولجهة فقدانه العميق للمعايير السياسية لتبرير تحالفه مع تيارات الإسلام السياسي التي أصبحت ملاذاً لفلول اليسار العربي في طريق البحث عن شرعية شعبية.
إن الجماعات الإسلامية لم تعد مجرد جماعات محافظة تدعو إلى الدين القويم، بل أصبحت إطاراً سياسياً تضم قوى مطالبة بالتغيير السياسي، ولكن هذا الإطار الذي يدعو إلى التغيير هو ذاته إطار للمحافظة وخزان للأفكار التقليدية والرجعية المعادية للحداثة والتقدم والحرية والمساواة. ومن المؤسف أن بعض قوى اليسار فضل الارتباط بهذه القوى لقناعته بأنها قادرة على إحداث التغيير، ولكن ما هو هذا التغيير وما مضمونه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، فتلك الأسئلة لا يشغل باله بها على خطورتها.
وبالرغم من أن قوى اليسار العربي تمتلك تراثاً مهماً على صعيد التنظير والبرامج، فإنها تعاني من عجز عن التأثير في حركة الواقع، وفي استقطاب الجماهير، فهي قد تمتلك بعض «أفضل الأفكار»، ولكنها تمتلك أسوأ سجل لـ«أسوأ الممارسات» على صعيد التجربة العملية، مما يجعلها تعيش في متاهة لا تقوى على الخروج منها.