في مطلع كل عام، تجتمع الطاقات الشابة والخبرات المتنوعة في المملكة العربية السعودية للاحتفاء بالابتكار وتطوير المشاريع التقنية، ويأتي على رأس هذه الفعاليات "هاكاثون أنسنة المشاعر المقدسة 2025"، المقرر عقده في مدينة جدة خلال الفترة من 13 إلى 16 يناير 2025. وعلى الرغم من أن ربط التقنية بشؤون الحج والعمرة قد يبدو للبعض أمراً غير مألوف، فإن هذا الحدث يقدم نموذجاً واعداً يمكن أن تستفيد منه مختلف دول المنطقة في تعزيز البنية التحتية وتحسين الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن.
لا تقتصر أهمية هذا الهاكاثون على جمع المبرمجين والمصممين فحسب، بل تتعدى ذلك لتشمل تشجيع التعاون بين الجهات الحكومية والمؤسسات الأكاديمية والشركات الخاصة والمجتمع المدني. ويؤكد العديد من القائمين على هذا الحدث أن تكاتف الجهود يُفضي إلى تطوير حلول مستدامة تسهِّل أداء المناسك وتوفير تجربة مريحة للحجاج والمعتمرين. فعندما يتم توظيف التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء، يصبح بالإمكان تحسين إدارة الحشود، وتسهيل التنقل بين المشاعر المقدسة، وتقديم خدمات ذكية تُناسب احتياجات الزوار من مختلف أنحاء العالم.
وقد شهدت إحدى النسخ السابقة للهاكاثون مشاركة مئات المتسابقين من مناطق متنوعة، الأمر الذي أسهم في تعزيز روح الابتكار لدى الشباب وإطلاق مبادرات مبتكرة، مثل تطبيقات توجيه الحشود على الخرائط التفاعلية، وأنظمة استشعار ذكية لرصد مدى الازدحام وتقديم مسارات بديلة. هذه النماذج يمكن الاستفادة منها ليس فقط في الأراضي المقدسة، بل في مختلف المدن الخليجية والعربية، حيث تشهد مواسم وفعاليات كبرى يتوافد عليها الآلاف، وهو ما يتطلب حلولاً تقنية مدروسة لتيسير الحركة وتقديم خدمات عالية الجودة.
إن الرؤى التنموية الحديثة في المملكة العربية السعودية، المبنية على توسيع نطاق استخدام التكنولوجيا، تُشكل حافزاً قوياً للدول المجاورة لكي تنتهج المسار نفسه وتعمل على دعم المواهب الشابة وتبني مشروعات ريادية تخدم المجتمع. فتبادل الخبرات والاطلاع على التجارب الناجحة في تنظيم الفعاليات الكبرى يمكن أن يخلق بيئة تعاون إقليمية ترتكز على الابتكار وتدفع عجلة التطور في قطاعات حيوية متصلة بخدمة الزوار والسياح بمختلف أهدافهم.
في الختام، يمثّل "هاكاثون أنسنة المشاعر المقدسة 2025" تجربة فريدة تُظهر مدى تأثير التقنية على تحسين الخدمات المقدمة في واحدة من أهم التجمعات الدينية في العالم. هذا النموذج يتيح للشباب إطلاق أفكارهم الإبداعية، ويوفر بيئة تفاعلية تشجع على الابتكار والتعاون. وبالنظر إلى ما يمكن أن تقدمه مثل هذه المبادرات من حلول قابلة للتطبيق في كل أرجاء المنطقة، تبدو الفرصة متاحةً أمام دول الخليج والدول العربية عموماً لاستلهام هذا النموذج واحتضان فعاليات مماثلة، تسعى بدورها إلى تعزيز الابتكار وخدمة المجتمعات وتحقيق التنمية الشاملة.
* خبير تقني