كانت الأجيال السابقة من الآباء حريصة على نقل المعرفة وآداب التعامل مع الناس، إلى أبنائهم وأحفادهم، وكانت المدارس هي البيئة التي تنتج هذه المواد وتزرعها في عقول الأطفال والشباب منذ الصغر، فإن ترك البيت أمراً أو تفصيلة بسيطة، سيجدها الأبناء في المدرسة سواء من المعلم أو في المناهج الدراسية.لكن الأمر الملحوظ والمؤسف اليوم، هو أن الجميع قد ترك هذه المهمة الخطيرة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تتمثل خطورتها في أنها توجه مستخدميها إلى مقالب الضحك والشر قبل الخير، وتضع مزيداً من البهارات على الشر، وأطنان من الأشواك والمطبات في طريق الخير.فهل رأى أحد من أجيال ما قبل وسائل التواصل، شباباً يقود سيارته بتهور أو يرمي القمامة من نافذة السيارة في الطرقات أو يفرغها عندما يتوقف عند إشارات المرور؟.. وهل رأت نساء الأجيال السابقة فتيات يرقصن بفجور أمام جمهور لا يعلم عدده إلا الله؟، وهل علم أولياء أمور الأمس شيئاً عن سلوكيات الأبناء إلا بعد تداول مقاطع لفيديوهات لمخالفات مسيئة يرتكبها أبناؤهم أمام مرأى ومسمع الجميع؟للأسف حتى نحن الذين نتشدق بالماضي وأخلاقه وبحسن التربية والتعليم، بدأنا نخضع لسلطان وسائل التواصل الاجتماعي، ونترك أبناءنا دون تقديم نصيحة – ولو بسيطة – في أن يضع حذاءه في المكان المخصص له في البيت أو المسجد أو أن يراعي جاره عند الوقوف بالسيارة أمام المنازل، أو يقدر ويحترم من هو أكبر منه سناً أو يعطي الأولوية لكبار السن وأصحاب الهمم في الأماكن المزدحمة والمؤسسات الخدمية.لقد تركنا الأبناء للأهواء وذلك تحت مسمى (حرية الفكر والإبداع وعدم التسلط عليهم) وخلطنا بين منحهم الفرصة في التطور، وبين الإرشاد والتوعية والنصحية والتحذير، وجلسنا بجوارهم نطالع هواتفنا مثلهم، ثم ننتقدهم بمصمصة شفايفنا فقط، ولئن فعلوا خطأً لا نحاسبهم ولا نلومهم أو نعرفهم قدر وحجم هذا الخطأ وكيفية تفادي تكراره بتنفيذ أبسط معادلات تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف أو حتى بتطبيق الأنظمة والقوانين.وأخشى ما أخشى اليوم على البنات من هذه الأجيال، حيث يختطفن من بيوتهن وهن جالسات بيننا، ففي كل هاتف مغارات تسكنها شياطين الإنس الذين يعملون ليل نهار على إقناع الفتيات بالانفلات من المجال الأسري، بعوامل جذب تحمل أسماء رنانة مثل «الحرية وتحقيق الذات والاستقلالية... وعبارات أخرى كثيرة لا حصر لها»، فلن ينفع الصوت، إن فات الفوت.لا تتركوا أبناءكم دون رقابة لصيقة وصديقة في نفس الوقت، فهم أحوج إليكم مما يدركون، ولن ينفع معهم اليوم الإجبار، فاجعلوها رقابة تمر عبر مسار الصداقة، وحتى نعود – على الأقل – إلى ما كنا عليه من أخلاق زمن أول.* قبطان - رئيس تحرير جريدة «الديلي تربيون» الإنجليزية