بين يدي الآن رواية يتجاوز عدد صفحاتها الخمسمائة صفحة. في جلسة واحدة قرأت ما يقارب «65» صفحة دفعة واحدة، وفي يوم واحد أنهيت «110» صفحات. كنت مندفعة ومتحمسة وأنا أقرأ سطور السرد الأولى، ثم بدأ ملل غريب يتسلل إلى ذهني، وبعد ما يقارب الأسبوعين مازلت عالقة في الصفحة «235» وأفكر في تصفح الرواية سريعاً كي أتم اكتشاف بنيتها ونهاية أحداثها. في العادة، أمتحن تقبلي للرواية بانجذابي لأول خمسين صفحة. ولكن هذه الرواية خذلتني بعد مائتي صفحة!!
الرواية التي أتحدث عنها هي واحدة من أكثر الروايات رواجاً في العام 2021، ووصلت للقائمة الطويلة في إحدى الجوائز الكبرى للرواية. عنوان الرواية في حد ذاته عتبة سالكة لتقع في أسر موضوعها. رواية عن الهويات المتعددة في استحضار تاريخي لمنطقة من أكثر المناطق تحفظاً في الحديث عن الديمغرافيا والجذور والتمييز. الشخصيات مبنية بإحكام وبعمق خارجي وباطني آسر. منتجة حوارات واستدعاءات اجتماعية وفلسفية توظف اللهجات المتعددة في سياق ثقافي تاريخي مقصود، والزمان لا ينفصل في معطياته عن المكان مشكلين بذلك فضاءات متجانسة دالة على عمق الفوارق الاجتماعية والنفسية، حتى تغدو بعض المشاعر هي الأبطال الحقيقية. إذن، لماذا غلبني الملل في منتصف السرد؟
مشكلة الرواية التي، في تقديري، حرمتها لحد الآن من أي جائزة هي الإفراط في توظيف تقنية «تعدد الأصوات». وهي تقنية تعمد إلى سرد الحدث الواحد من زوايا مختلفة عبر شخصيات مختلفة في النص. ويرى النقاد أن «تعدد الأصوات» تقنية تعبر عن الرؤية الديمقراطية التي تصدح بشكل واضح، أن ليس ثمة حقيقة واحدة. بل إن بعض الأدباء يفاجئوننا بحقائق مفارقة حين يختلف ويتناقض سرد الحدث من شخصية لأخرى. وهذا الفخ الذي وقعت فيه الرواية، حيث كررت سرد الحدث الواحد عبر شخصيتين أو ثلاثة، مما جعل الأحداث والشخصيات تتكرر كثيراً بدون إضافات تذكر، الأمر الذي خلق الملل دون مبرر درامي!
أذكر، كذلك، أني لم أتمكن من إتمام عشرين صفحة من رواية لكاتب عربي مرموق أقرب إلى العالمية، وذلك حين داهمني الملل باكرا. وحين بحثت عن مصدر الملل، وجدت أن الكاتب الكبير أفرط في استخدام تقنية تداعي الأفكار، وهي تقنية سيكولوجية تقوم فيها الشخصية بتذكر العديد من الأحداث أو ربط كثير من الأفكار ببعضها. وفي الرواية المقصودة تعطل السرد كثيراً بسبب استدعاء الشخصيات للذكريات وللأفكار وللتعمق في التحليل، وكلما همت الرواية بالتقدم خطوة في السرد تعطلت للخلف أو للعمق في إفراط شديد في الحشويات التي لا تضيف أية جماليات لانسيابية الرواية أو انتشار مكوناتها.
إن تسلح أدبائنا بالمعرفة النقدية والأدبية الفارهة أمر محمود جداً، ووعي الكاتب بالتقنيات المتعددة في الكتابة السردية يعينهم على تطوير أساليبهم وأدواتهم الكتابية. لكن أن تهيمن التقنية على مجرى السرد، فهذا يفقد النص الأدبي تلقائيته وحيويته ويجعله أشبه بالبرمجية التي تتبع نظاماً صارماً يضبط حركتها ويعيق انطلاق إبداعها.
الرواية التي أتحدث عنها هي واحدة من أكثر الروايات رواجاً في العام 2021، ووصلت للقائمة الطويلة في إحدى الجوائز الكبرى للرواية. عنوان الرواية في حد ذاته عتبة سالكة لتقع في أسر موضوعها. رواية عن الهويات المتعددة في استحضار تاريخي لمنطقة من أكثر المناطق تحفظاً في الحديث عن الديمغرافيا والجذور والتمييز. الشخصيات مبنية بإحكام وبعمق خارجي وباطني آسر. منتجة حوارات واستدعاءات اجتماعية وفلسفية توظف اللهجات المتعددة في سياق ثقافي تاريخي مقصود، والزمان لا ينفصل في معطياته عن المكان مشكلين بذلك فضاءات متجانسة دالة على عمق الفوارق الاجتماعية والنفسية، حتى تغدو بعض المشاعر هي الأبطال الحقيقية. إذن، لماذا غلبني الملل في منتصف السرد؟
مشكلة الرواية التي، في تقديري، حرمتها لحد الآن من أي جائزة هي الإفراط في توظيف تقنية «تعدد الأصوات». وهي تقنية تعمد إلى سرد الحدث الواحد من زوايا مختلفة عبر شخصيات مختلفة في النص. ويرى النقاد أن «تعدد الأصوات» تقنية تعبر عن الرؤية الديمقراطية التي تصدح بشكل واضح، أن ليس ثمة حقيقة واحدة. بل إن بعض الأدباء يفاجئوننا بحقائق مفارقة حين يختلف ويتناقض سرد الحدث من شخصية لأخرى. وهذا الفخ الذي وقعت فيه الرواية، حيث كررت سرد الحدث الواحد عبر شخصيتين أو ثلاثة، مما جعل الأحداث والشخصيات تتكرر كثيراً بدون إضافات تذكر، الأمر الذي خلق الملل دون مبرر درامي!
أذكر، كذلك، أني لم أتمكن من إتمام عشرين صفحة من رواية لكاتب عربي مرموق أقرب إلى العالمية، وذلك حين داهمني الملل باكرا. وحين بحثت عن مصدر الملل، وجدت أن الكاتب الكبير أفرط في استخدام تقنية تداعي الأفكار، وهي تقنية سيكولوجية تقوم فيها الشخصية بتذكر العديد من الأحداث أو ربط كثير من الأفكار ببعضها. وفي الرواية المقصودة تعطل السرد كثيراً بسبب استدعاء الشخصيات للذكريات وللأفكار وللتعمق في التحليل، وكلما همت الرواية بالتقدم خطوة في السرد تعطلت للخلف أو للعمق في إفراط شديد في الحشويات التي لا تضيف أية جماليات لانسيابية الرواية أو انتشار مكوناتها.
إن تسلح أدبائنا بالمعرفة النقدية والأدبية الفارهة أمر محمود جداً، ووعي الكاتب بالتقنيات المتعددة في الكتابة السردية يعينهم على تطوير أساليبهم وأدواتهم الكتابية. لكن أن تهيمن التقنية على مجرى السرد، فهذا يفقد النص الأدبي تلقائيته وحيويته ويجعله أشبه بالبرمجية التي تتبع نظاماً صارماً يضبط حركتها ويعيق انطلاق إبداعها.