«خمام بلدية»، كنا نقولها ونحن صغار حينما نرى عامل النظافة. نقولها دون وعي لأهميّة دوره.
كان المحظوظ منا من يمتلك والِدَين متفتّحي العقل وفوق ذلك إنسانيين في التعامل؛ لأن الحظوة بهكذا أولياء أمور تعني زراعة خصال حميدة تُعلمك كيف تتعامل مع البشر. كيف تتواضع، وكيف تحترم إنسانيتهم، وكيف تقدّر كافة الأعمال التي يمتهنونها طلباً للرزق الحلال.
ولتصحيح المفاهيم، فإنّ وصفنا العفوي حينما كنا صغاراً له، أي «الخمّام»، يجب محوه من عقول الأجيال القادمة. وهنا تصدق القصة القصيرة الجميلة، والتي فيها يقول الولد لوالده: «ها قد جاء صاحب القمامة ليأخذها». فيرد عليه والده بجملة فيها الدرس البليغ: «يا ابني، بل قل جاء عامل النظافة ليخلصنا من قمامتنا التي رميناها، ولولا هذا الرجل لما عشنا في وسط نظيف خالٍ من الأمراض».
جيل الطيبين، هل تذكرون أنشودة برنامج «افتح يا سمسم» والتي تقدم ذات الدرس: «يا عامل النظافة، يا ألطف العمل، من قبل أن نفيق، تنظف الطريق، وتنشر الجمال، لولاك ما سلمنا، لولاك ما نعمنا، بحينا النظيف، يا عامل النظافة»؟! عندكم الموضوع، وعلِّموا أبناءكم كيف يكون التقدير لأيّ مهنة طالما أنها تخدم الناس والمجتمع.
أما «الفرّاش» أو «العامل المكتبي» أو «الأوفيس بوي» أو «المراسل»، فقد درج بعض الجاهلين في الإدارة على اعتبارها مهنةً دون المستوى، وعليه تجد التعامل السيئ معهم، رغم أهمية الأدوار التي يقومون بها. وكيف لا تكون مهمّة، وهم يقومون بدور «الجوكر» في كل شيء، وهم أكثر الموظفين بذلاً للجهد، وأكثرهم تعباً، وأقلّهم راحةً.
في إحدى المؤسسات، استعد العاملون ليوم اختيار «موظف العام». جميعهم حضروا بكامل الأناقة. بعضهم أعدّ عروضاً للتقديم، وبعضٌ آخر جاء بملفات دوَّن فيها ما يعتبره إنجازات حقّقها طوال العام.
جلس الجميع، وقام «الفرّاش» أو «المراسل» أو «الأوفيس بوي» -سَمُّوه ما شئتم- بتقديم الشاي والمشروبات على الجميع، وذلك بعد أن كان أول الحاضرين لتجهيز الطاولات والكراسي وشاشة العرض والمنصة التي سيقف عليها الرئيس ليلقي خطابه ويكرّم «موظف العام».
بدأ الحفل ووقف الرئيس متحدثاً. رحب بالجميع وقال سأختصر وسأوفر عليكم الترقُّب والانتظار، موظف العام هو السيد فلان، وأشار إليه. تسمَّر الجميع وفتح المدراء والرؤساء وجميع الموظفين عيونهم وسط صيحات دهشة، فالرئيس اختار من يُسمُّونه «الفرّاش» أو «المراسل» أو «الأوفيس بوي» ليكون موظف العام، والذي بدوره لَمْ يُصدِّق وتَسمَّر في مكانه، فتوجّه له الرئيس وأخذه من يده وصعد به المنصة ومنحه مكافأة موظف العام.
وقبل أن ينطق أحد أو يحتج، قال لهم: «هو أول من يحضر لموقع العمل، وآخر من يغادر. هو من ينقل ورق المعاملات ويصوّرها، وهو من يُحضِر لكم مشاريبكم وكل أموركم الأُخرى المعنيّة بالعمل أو غير المتعلّقة به. وفوق ذلك يتحمّل أمزجتكم المتقلِّبة، وبعض الإساءات الصادرة من بعضكم، ولَمْ أرَ منه طوال عام كامل إلا الالتزام والأخلاق والتعامل الحسن والصبر».
خلاصة القول مما تربينا عليه وعلّمتنا إياه التجارب خاصّة ما رأيناه من أبشع الناس تصرُّفاً، نصيحة مفادها: لا تُحقِّر من أيّ مهنة، ولا تُصغِّر أيّ إنسان. وكم هو كبير من يقدِّرهم ويرفعهم إنسانياً ومهنياً.
{{ article.visit_count }}
كان المحظوظ منا من يمتلك والِدَين متفتّحي العقل وفوق ذلك إنسانيين في التعامل؛ لأن الحظوة بهكذا أولياء أمور تعني زراعة خصال حميدة تُعلمك كيف تتعامل مع البشر. كيف تتواضع، وكيف تحترم إنسانيتهم، وكيف تقدّر كافة الأعمال التي يمتهنونها طلباً للرزق الحلال.
ولتصحيح المفاهيم، فإنّ وصفنا العفوي حينما كنا صغاراً له، أي «الخمّام»، يجب محوه من عقول الأجيال القادمة. وهنا تصدق القصة القصيرة الجميلة، والتي فيها يقول الولد لوالده: «ها قد جاء صاحب القمامة ليأخذها». فيرد عليه والده بجملة فيها الدرس البليغ: «يا ابني، بل قل جاء عامل النظافة ليخلصنا من قمامتنا التي رميناها، ولولا هذا الرجل لما عشنا في وسط نظيف خالٍ من الأمراض».
جيل الطيبين، هل تذكرون أنشودة برنامج «افتح يا سمسم» والتي تقدم ذات الدرس: «يا عامل النظافة، يا ألطف العمل، من قبل أن نفيق، تنظف الطريق، وتنشر الجمال، لولاك ما سلمنا، لولاك ما نعمنا، بحينا النظيف، يا عامل النظافة»؟! عندكم الموضوع، وعلِّموا أبناءكم كيف يكون التقدير لأيّ مهنة طالما أنها تخدم الناس والمجتمع.
أما «الفرّاش» أو «العامل المكتبي» أو «الأوفيس بوي» أو «المراسل»، فقد درج بعض الجاهلين في الإدارة على اعتبارها مهنةً دون المستوى، وعليه تجد التعامل السيئ معهم، رغم أهمية الأدوار التي يقومون بها. وكيف لا تكون مهمّة، وهم يقومون بدور «الجوكر» في كل شيء، وهم أكثر الموظفين بذلاً للجهد، وأكثرهم تعباً، وأقلّهم راحةً.
في إحدى المؤسسات، استعد العاملون ليوم اختيار «موظف العام». جميعهم حضروا بكامل الأناقة. بعضهم أعدّ عروضاً للتقديم، وبعضٌ آخر جاء بملفات دوَّن فيها ما يعتبره إنجازات حقّقها طوال العام.
جلس الجميع، وقام «الفرّاش» أو «المراسل» أو «الأوفيس بوي» -سَمُّوه ما شئتم- بتقديم الشاي والمشروبات على الجميع، وذلك بعد أن كان أول الحاضرين لتجهيز الطاولات والكراسي وشاشة العرض والمنصة التي سيقف عليها الرئيس ليلقي خطابه ويكرّم «موظف العام».
بدأ الحفل ووقف الرئيس متحدثاً. رحب بالجميع وقال سأختصر وسأوفر عليكم الترقُّب والانتظار، موظف العام هو السيد فلان، وأشار إليه. تسمَّر الجميع وفتح المدراء والرؤساء وجميع الموظفين عيونهم وسط صيحات دهشة، فالرئيس اختار من يُسمُّونه «الفرّاش» أو «المراسل» أو «الأوفيس بوي» ليكون موظف العام، والذي بدوره لَمْ يُصدِّق وتَسمَّر في مكانه، فتوجّه له الرئيس وأخذه من يده وصعد به المنصة ومنحه مكافأة موظف العام.
وقبل أن ينطق أحد أو يحتج، قال لهم: «هو أول من يحضر لموقع العمل، وآخر من يغادر. هو من ينقل ورق المعاملات ويصوّرها، وهو من يُحضِر لكم مشاريبكم وكل أموركم الأُخرى المعنيّة بالعمل أو غير المتعلّقة به. وفوق ذلك يتحمّل أمزجتكم المتقلِّبة، وبعض الإساءات الصادرة من بعضكم، ولَمْ أرَ منه طوال عام كامل إلا الالتزام والأخلاق والتعامل الحسن والصبر».
خلاصة القول مما تربينا عليه وعلّمتنا إياه التجارب خاصّة ما رأيناه من أبشع الناس تصرُّفاً، نصيحة مفادها: لا تُحقِّر من أيّ مهنة، ولا تُصغِّر أيّ إنسان. وكم هو كبير من يقدِّرهم ويرفعهم إنسانياً ومهنياً.