استمعت إلى الكلمة السامية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، أثناء حضور جلالته القمة العربية الثانية والثلاثين التي أقيمت مؤخراً في المملكة العربية السعودية، واستوقفتني كلمتان لجلالته لخصتا ما يجري في المنطقة من أحداث وفسرتا التحركات الدولية ومآلات الأوضاع السياسية العالمية.فقد نوه جلالته حفظه الله ورعاه بالإشارات المبشرة بشأن بلورة «نظام إقليمي متجدد ومتوازن»، والمتمثلة في استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، واستمرار الهدنة الإنسانية في اليمن والجهود الجادة لحل أزمتها، والعود الحميد للشقيقة سوريا إلى بيت العرب الكبير.والحقيقة أن هذه الكلمات حملت إشارات وبشارات خير للبحرين والمنطقة بترحيب جلالته بالعودة الطبيعية للعلاقات الهادئة بين دول المنطقة والتي اتسمت خلال عقود من الزمن بسخونة، ومحاولات خبيثة لرفع درجة حرارتها وصولاً للاشتعال، لجعل المنطقة تعيش صراعات لا تنتهي، وجميعنا يعلم من هي الأيادي الخفية التي توقد النار كلما أطفأها الله.وفي كلمة جلالته السامية التي وصف فيها النظام الإقليمي بالمتوازن والمتجدد، يتضح أمران لا ثالث لهما، وهو أن النظام الإقليمي يشهد تجديداً في أنماط العلاقات بين دوله، فمن كان عدواً بالأمس يستطيع أن يأتي إلينا صديقاً اليوم، ويجب أن يكون ذلك وفق آليات التوازن في العلاقات والابتعاد عن فرض سيطرة أو تدخل في شؤون الدول، وهنا تظهر العلاقة بين التجديد والتوازن الذي تعمل عليه دول المنطقة وفي المركز منها المملكة العربية السعودية الشقيقة بقيادة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ورعاه وولي عهده رائد التجديد المتوازن.ولعل أهم الأحداث التي شهدتها القمة هو حرص الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي على الوصول إلى جدة قبل انعقاد القمة، ومحاولة إيجاد طريق بديل «متجدد ويتسم بالتوازن» لحل أزمة الصراع الروسي الأوكراني، من وجهة نظر بعيدة عن تعصب أمريكا وتبعية أوروبا لها، خاصة وأنه يعلم تماماً مدى الثقل الذي تمثله الدول العربية والإسلامية وتأثيرها على روسيا التي تضم مسلمين يتجاوز عددهم 20 مليون نسمة ضمن اتحادها.ولذلك أرى في تحرك الرئيس زيلنسكي وسرعة تواجده في القمة العربية بالتزامن مع إقامة روسيا لمنتدى اقتصادي إسلامي، أنه يأتي ضمن سياق إحداث توازن سريع في القوى الفاعلة على أرضية الصراع، ولربما يجد التأثير الأقوى من جهة الدول الإسلامية التي باتت اليوم تمثل لروسيا منطقة تحرك اقتصادي تواجه من خلاله العقوبات الأمريكية.وسنجد في كلمة جلالة الملك المعظم رعاه الله والعبارة الخاصة بـ«التوازن والتجديد» ما يضع النقاط على الحروف بشأن هذه الأحداث التي تجري بسرعة كبيرة في منطقتنا، والتي لخصها جلالته في كلمتين فقط.* قبطان - رئيس تحرير جريدة «ديلي تربيون» الإنجليزية