في احتفالات يوم التأسيس للمملكة العربية السعودية لفت نظري تعدد الأزياء النسائية والرجالية للمناطق، وكلها كانت جميلة وتتنافس في ما بينها في إبراز "مختلفاتها". وهذا أمر متوقع بالنسبة إلى دولة تبلغ مساحتها أكثر من 2 مليون متر مربع، وتتنوع بيئاتها الجغرافية مما يخلق تنوعاً اقتصادياً وثقافياً يترك بالتالي أثراً حتى في التنوع الفلكلوري بفنونه وكل مظاهر الحياة فيها، فإذا أضفنا إلى كل تلك التقسيمات الفسيفسائية عوامل فكرية لها نصيبها من الخصوصية كالمذاهب والتيارات الدينية فإنك أمام بيئة تشكل تلك التنوعاتُ إثراءً لها لكنها في ذات الوقت مهددة دوماً بعوامل الانقسام لو تركت تلك "المختلفات" لا الاختلافات كي ينصهر بعضها مع بعض تلقائياً لمجرد أنها تحمل هوية ورقية واحدة كالجنسية أو جواز السفر.
الحقيقة أن أمام الدولة هنا مهمة عسيرة لجعل تلك الهوية الورقية هوية فكرية وانتمائية تعلو على أي خصوصية أخرى.
فلا تظن أي دولة أو يظن نظامها السياسي أن التعددية المجتمعية في الدولة الواحدة قابلة للاندماج وحدها تلقائياً عبر الزمن، وأن الزمن وحده كفيل بانصهار المختلفات وتذويبها، بل لا بد أن يكون دمج الهويات في بوتقة وطنية واحدة مشروعاً قائماً بذاته تحت مسؤولية الدولة، فيأتي على رأس أولوياتها، وتضع له مجسّات ومراصد لالتقاط مهدداته ومعززاته في ذات الوقت.
هذا لا ينطبق على الدول الكبيرة التي تحتاج بِحُكمِ كِبَرِ مساحتها إلى مشروع يدمج الهويات المتعددة ويصهرها في بوتقة وطنية، بل إن مملكة البحرين وهي الأصغر في الدول العربية بها من التنوعات والانقسامات ما لا يخطر لك على بال. فهذه الجزيرة التي كانت ومازالت ملتقىً للشعوب نظراً لانفتاح النظام السياسي فيها منذ تأسيسها، تجد التنوع العرقي والديني والمذهبي منعسكاً على تقسيمات صغيرة فيها حتى داخل الكيلو متر المربع الواحد؛ تراه في زيها المختلف، وتسمعه في لكنات قاطينها المختلفة والذين يمارسون معتقداتهم الدينية المختلفة عبر دور عبادة متنوعة ومتجاورة في ذات الوقت لا تفصل بينها سوى عدة أمتار.
ودَعْكَ من الدول العربية، ولنرَ أثرَ تنوع الهويات على أوروبا التي ظنت أن مجرد منح الهوية الورقية للاجئين وأن امتنان اللاجئين الأفارقة والعرب الذي أبدوه في بداية قدومهم لكل ما هو أوروبي، فرنسياً كان أو ألمانياً أو غيرهما من الدول الأوروبية، كفيل بتذويب هويتهم السابقة والانصهار في الهوية الأوروبية الجديدة، لتكتشف أوروبا أن اللاجئ تكاثر وتوالد، وجيله الرابع موجود على أرضها، ويحمل هويتها الورقية.. لكن هويته السابقة ما زالت تميزه إن لم يكن شكلاً ففكراً واعتقاداً.
من شأن تلك التعدديات أن تكون إثراءً للهوية الجامعة الوطنية الواحدة، إنما مع الأسف لو تركت دون مظلة وطنية تلقي عليها بظلالها فتمنع شرودها وخروجها عن إطارها وتعزز قواسم تلك التنوعات المشتركة مع الجماعات الأخرى فإن الثغرات التي تفصل بين التنوعات قابلة للاتساع، وإن امتدادات تلك التنوعات الخارجية سواء كانت عرقية أو دينية أو مذهبية قادرة على الاستقطاب. ولأمين معلوف كتاب عنوانه "الهويات القاتلة" يتحدث فيه عن أزمة الهويات والانتماءات فيقول: "إن الهوية لا تُعطى مرة واحدة وإلى الأبد إلى الفرد، بل تتشكل من عدة انتماءات تتبدل ويختلف تراتب عناصرها طوال حياته وتالياً (الهوية) قابلة للتغير والتَّبدّل حسب تأثير الآخرين بشكل أساسي على عناصرها".
الحقيقة أن أمام الدولة هنا مهمة عسيرة لجعل تلك الهوية الورقية هوية فكرية وانتمائية تعلو على أي خصوصية أخرى.
فلا تظن أي دولة أو يظن نظامها السياسي أن التعددية المجتمعية في الدولة الواحدة قابلة للاندماج وحدها تلقائياً عبر الزمن، وأن الزمن وحده كفيل بانصهار المختلفات وتذويبها، بل لا بد أن يكون دمج الهويات في بوتقة وطنية واحدة مشروعاً قائماً بذاته تحت مسؤولية الدولة، فيأتي على رأس أولوياتها، وتضع له مجسّات ومراصد لالتقاط مهدداته ومعززاته في ذات الوقت.
هذا لا ينطبق على الدول الكبيرة التي تحتاج بِحُكمِ كِبَرِ مساحتها إلى مشروع يدمج الهويات المتعددة ويصهرها في بوتقة وطنية، بل إن مملكة البحرين وهي الأصغر في الدول العربية بها من التنوعات والانقسامات ما لا يخطر لك على بال. فهذه الجزيرة التي كانت ومازالت ملتقىً للشعوب نظراً لانفتاح النظام السياسي فيها منذ تأسيسها، تجد التنوع العرقي والديني والمذهبي منعسكاً على تقسيمات صغيرة فيها حتى داخل الكيلو متر المربع الواحد؛ تراه في زيها المختلف، وتسمعه في لكنات قاطينها المختلفة والذين يمارسون معتقداتهم الدينية المختلفة عبر دور عبادة متنوعة ومتجاورة في ذات الوقت لا تفصل بينها سوى عدة أمتار.
ودَعْكَ من الدول العربية، ولنرَ أثرَ تنوع الهويات على أوروبا التي ظنت أن مجرد منح الهوية الورقية للاجئين وأن امتنان اللاجئين الأفارقة والعرب الذي أبدوه في بداية قدومهم لكل ما هو أوروبي، فرنسياً كان أو ألمانياً أو غيرهما من الدول الأوروبية، كفيل بتذويب هويتهم السابقة والانصهار في الهوية الأوروبية الجديدة، لتكتشف أوروبا أن اللاجئ تكاثر وتوالد، وجيله الرابع موجود على أرضها، ويحمل هويتها الورقية.. لكن هويته السابقة ما زالت تميزه إن لم يكن شكلاً ففكراً واعتقاداً.
من شأن تلك التعدديات أن تكون إثراءً للهوية الجامعة الوطنية الواحدة، إنما مع الأسف لو تركت دون مظلة وطنية تلقي عليها بظلالها فتمنع شرودها وخروجها عن إطارها وتعزز قواسم تلك التنوعات المشتركة مع الجماعات الأخرى فإن الثغرات التي تفصل بين التنوعات قابلة للاتساع، وإن امتدادات تلك التنوعات الخارجية سواء كانت عرقية أو دينية أو مذهبية قادرة على الاستقطاب. ولأمين معلوف كتاب عنوانه "الهويات القاتلة" يتحدث فيه عن أزمة الهويات والانتماءات فيقول: "إن الهوية لا تُعطى مرة واحدة وإلى الأبد إلى الفرد، بل تتشكل من عدة انتماءات تتبدل ويختلف تراتب عناصرها طوال حياته وتالياً (الهوية) قابلة للتغير والتَّبدّل حسب تأثير الآخرين بشكل أساسي على عناصرها".