ربما أكثر ما يشغل العالم خلال الساعات المقبلة، نتيجة انتخابات الرئاسة الأمريكية، والتي يؤكد الكثير من المراقبين والمحللين أن تلك النسخة من الاستحقاق الرئاسي الأمريكي تعد مفتوحة على كل الاحتمالات، خاصة وأن أغلب استطلاعات الرأي أظهرت الهامش الضيق بين مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، ومرشح الحزب الجمهوري، الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وبالتالي من الصعب التنبؤ بمن سيكون سيد البيت الأبيض لـ4 أعوام مقبلة.

وإذا كانت صحيفة «الغارديان» البريطانية قد توقعت تقارب نتائج السباق، الأمر الذي سوف يؤخر إعلان النتيجة النهائية كما تنبأت في الوقت ذاته بعدم الإعلان عن الفائز في الاستحقاق الرئاسي إلا بعد أيام من إجراء الاقتراع، مثلما حدث من خلال قرب التنافس في انتخابات 2016، وانتخابات 2020، وبالتالي فإن عدم حسم النتيجة قد يستمر طوال الليل، وربما أيام بعد ذلك وهو الأكثر احتمالاً، ومن الممكن أيضاً أن تستمر القضايا القضائية المطولة.

في الوقت ذاته، ذهبت تحليلات صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية إلى أبعد من ذلك، وتناولت القضية بشكل أكثر عمقاً، حيث قالت في مقال تحليلي للكاتب جورج ويل أن «الناخبين يواجهون أسوأ اختيار رئاسي في تاريخ الولايات المتحدة»، حيث قارن الكاتب بين المرشحين في الانتخابات الرئاسية الـ59 الماضية التي شهدتها الولايات المتحدة، وبين عام 2024، وبعد دراسة وتمحيص ذهب إلى أن «خيار المرشحين هذا العام هو الأسوأ على الإطلاق» على حد تعبيره، والذي نشرته في الصحيفة الأمريكية.

واستنتج الكاتب ذلك من خلال مواقف المرشحين، حيث رأى أن «ترامب معروف بتجسيده انفجاراً من الأفكار المتناثرة والنوبات الانفعالية، بينما قد تتخلى هاريس عن مبادئها الجديدة بنفس السهولة التي تبنت بها مبادئها السابقة».

وتبقى السياسة الخارجية الأمريكية هي الأكثر تحدياً فيما يخص المرشحين، لاسيما وأن مواقفهما من الكثير من القضايا على مستوى العالم تشوبها الغموض والتعقيد في كيفية التعامل معها، لكن المخاوف تنتاب الفلسطينيين ربما لمعرفتهم السابقة بمواقف ترامب حينما كان رئيساً لأمريكا، حيث كان من أكثر الرؤساء الأمريكيين انحيازاً لإسرائيل.وفي العموم، يظل الوضع الاقتصادي، هو الأكثر هيمنة وتأثيراً بشكل مباشر في أية انتخابات، في العالم، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد أعلنت وزارة التجارة الأمريكية مؤخراً نمو إجمالي الناتج المحلي الأمريكي بنسبة 8.‏2% خلال الربع الثالث من العام الحالي، فيما اقترب معدل البطالة من أقل مستوياته، وارتفعت سوق الأسهم إلى مستوى قياسي، كما تراجع معدل التضخم، وبالتالي فإن كل المؤشرات تقول إن الاقتصاد الأمريكي في حالة جيدة تاريخية، لذلك كان من المنطقي أن تنشر صحيفة «وول ستريت جورنال» تقريراً اقتصادياً بعنوان «الرئيس المقبل سيرث اقتصاداً مميزاً»، لكن في المقابل يرى أغلبية الأمريكيين أن اقتصاد بلادهم يمر بحالة سيئة، وذلك لأنهم لم يروا تحسناً على أرض الواقع من خلال المعيشة أو سير حياتهم اليومية، بل على العكس تماماً، فهم يرون أن بلادهم تمضي اقتصادياً في الاتجاه الخطأ.

في الوقت ذاته، يذهب المحللون والمراقبون إلى أن الفوز في الولايات المتأرجحة يمثل حجر الزاوية في فوز أي من المرشحين حيث يصبح تفوق الفائز في الاستحقاق الرئاسي الأمريكي في هذه الحالة واضحاً ومقنعاً، أو ربما تكون الأصوات متقاربة، ومن ثم تكون عمليات إعادة حصر الأصوات أو اللجوء للقضاء أموراً حتمية لحسم النتيجة، وبالتالي يمكن أن تجد الولايات المتحدة نفسها في نزاع سياسي وقانوني مستمر وأكثر حدة عما حدث في 2020، وهذا ما ذهبت إليه صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية.

من هذا المنطلق تظل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2024 هي الأكثر تحدياً وتعقيداً وغموضاً خاصة وأنها مليئة بالتحديات، مع الأخذ في الاعتبار حقيقة عدم اعتراف ترامب بهزيمته وفوز منافسته الديمقراطية بالاقتراع الرئاسي، الأمر الذي يسهم بمزيد من الفوضى، خاصة بعدما أعلن المرشحون أن «الديمقراطية الأمريكية في حالة من الفوضى»، إذ يقول ترامب إن الانتخابات «مزورة»، بينما تعتبر هاريس أن «الدستور والكونغرس والشعب ضعفاء للغاية لدرجة أن لا أحد سواها يمكنه منع ترامب من تدمير ما أسسه جورج واشنطن وحافظ عليه أبراهام لينكولن»، بحسب صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية.

ولذلك دعت الصحيفة الحزبين، الديمقراطي، والجمهوري، للبدء في التخطيط لترشيحات عام 2028، لـ«تجنب اختيار سيكون سيئاً كما يحدث هذا العام 2024».

من جانبها، قالت صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية إن «الناخبين الأمريكيين على وشك اتخاذ قرار قد يؤثر على البلاد والعالم لعقود قادمة، ما يستدعي وقتاً للتوقف، والتفكر، والتفكير في العواقب».

لكن الأمر المؤكد والمحسوم سلفاً، هو حرص الرئيس الأمريكي المقبل على الاحتفاظ بعلاقات قوية ووطيدة مع دول مجلس التعاون الخليجي، نظراً لما تمثله دول المجلس من قوة سياسية واستراتيجية واقتصادية في منطقة الشرق الأوسط، والعالم، لذلك سوف يسعى جيداً، الفائز بالاستحقاق الرئاسي الأمريكي، إلى البناء على العلاقات القوية، والعمل على تعزيزها مع قوة إقليمية يشار إليها بالبنان.