من المفارقة ان يبعد مقر جمعية «وعد» الذي جرت فيه ندوة الدكتور نادر كاظم حول كتابه الصادر عام 2009 «خارج الجماعة» عن مبنى المحكمة الكبرى الجنائية في مملكة البحرين ومحكمة الاستئناف العليا عدة كيلومترات فقط، حيث تنظر المحكمتان خلال شهر فبراير المقبل في ثلاث قضايا جنائية يحاكم فيها «20» متهماً باتهامات تتعلق بارتكاب جرائم تعذيب لشباب وصبية بحرينيين في منطقتي «الدراز» و«السنابس»، حاولوا الخروج من الجماعة!
حيث يتناول الكتاب إشكاليات الجماعة والانتماء، وموقع الفرد وحريته والدولة وصلاحياتها، وتصنيف الفرد وفقاً لجماعته، دون التطرق للواقع البحريني أبداً.
وتساءل الكاتب في ندوته «أين تكمن خطورة هذا التصور؟ إنها تكمن في مصادرتها لحرياتنا وإرادتنا كأفراد في تقرير ماذا نريد أن نكون؟ ومنْ نحن؟ لأن هذه المصادرة تختزل وجودنا وتقلصه تقليصاً حاداً وحتمياً كما لو كنا أعضاء، وفقط أعضاء في هذه الجماعة أو تلك، وأنه لا فكاك لنا من ذلك كما لو كانت الجماعة سجناً أبدياً، وهذه مسألة خطرة، لأن النتيجة التي يقود إليها هذا التصور هي تعميق خطوط الانقسام بين البشر، الأمر الذي يجعل العلاقات بين البشر قابلة للانفجار مع أية استثارة، بمعنى أن هذا التصنيف يجعلنا أمام وصفة جاهزة لتحويل الانتماء إلى «هويات قاتلة» في أية لحظة.
الدكتور نادر الذي نكن له كل التقدير والاحترام تناول هذه الإشكالية مستشهداً بعدة جماعات كاليهود إبان الحكم النازي والفلسطينيين العرب في إسرائيل، وقمع تلك الجماعات لأفرادها إن هم حاولوا أو اختاروا الانتماء للدولة، ولم تتطرق الندوة – على الأقل فيما نقل منها في جريدة الوسط – إلى ذات الإشكالية عند الجماعات الشيعية في دول الخليج وخاصة في البحرين رغم شكوى العديد من النخب من حصار الجماعة لهم.
فالجماعات الشيعية في دول الخليج أفرادها مواطنون من الدرجة الأولى إلا أن «الجماعة» مازالت هي الإطار الذي يحاصر أعضاءه ويمنعهم من الخروج للدولة، والأحداث التي جرت في السنابس والدراز هي تطور خطير لآلية القمع التي مارستها الجماعة على أفرادها حتى وصلت إلى القتل! وكان الكتاب الذي صدر عام 2009 قد تنبأ بما سيحصل، إنما بقيت مشكلته كما هي مشكلة معظم النخب من الطائفة الشيعية الكريمة في الحوم حول الواقع دون الجرأة على اقتحامه.
ففي كتابه يقول الدكتور نادر: «ينطوي الرهان على انتصار الدولة على مسلمة ذائعة وكثيرة التداول، وتقول إن بين قوة الدولة وقوة الجماعات علاقة تناسب عكسي، فكلما قويت الدولة ضعفت الجماعات، والعكس صحيح، إلا أن الحاصل أن الجماعات حين تضعف فإنها لا تنقرض، بل تزداد قسوة تجاه أي تقصير من قبل أفرادها، وبما أن الدولة قد أضعفت من قوة الجماعات بشكل أو بآخر، فلن يكون من المستغرب أن تكشف هذه الجماعات عن وجهها المكفهرّ، بحيث تتعامل بقسوة تجاه أي تقصير من قبل أفرادها، كما تتعامل مع أي نقد قد يطولها على أنه خيانة وخطر يهدد البقية الباقية من وجودها». ونحن نسأل: ألا يستدعي هذا الشرح العميق للحالة مقاربته مع الواقع البحريني؟.
وواصل: «والحق أن الجماعات المهددة، أو التي تشعر بالتهديد، هي التي تجعل مسؤولية الفرد، ابن الجماعة، على المحك، فالفرد، حتى لو اختار العيش «خارج الجماعة»، مطالب، أخلاقيّاً، بالتضامن مع جماعته والدفاع عنها مهما تكن تبعات ذلك، وفي هذه الحالة، لا تكون الرغبة في العيش «خارج الجماعة» إلا تعبيراً عن موقف ضعيف وجبان وانتهازي».
ونحن نسأل أليس هذا بالضبط ما يجري لأبناء القرى في البحرين فلم نحتاج للاستشهاد بعرب فلسطين أو باليهود حين نبحث عن أمثلة للجماعات؟ فتلك الإسقاطات لا تعزز سوى فكرة المظلومية لا أكثر ولا أقل، وفكرة أن «الجماعة الشيعية» جماعة مضطهدة تواجه دولة محتلة كالفلسطينيين في إسرائيل وكاليهود في ألمانيا! تلك هي المقاربة الوحيدة التي توظفها هذه الاستشهادات، وهي مقاربة تزيد من إحكام الحصار على أفرادها بهذا التشبيه فتمنعهم من القبول بدائرة دولة محتلة كالبحرين!!
مقاربة لا تجرؤ على اقتحام أسوار الجماعة في البحرين وتواجهها بوجهها «المكفهر» أو مواجهة تتبرأ من «مديونيتها» تجاه الجماعة أو على الأقل تصفر تلك المديونية تجاهها.
الخلاصة مع تقديرنا لجرأة الكاتب الأخ الكريم الدكتور نادر هي أنه لن يستطيع أي منكم الخروج من الجماعة ما لم تملكوا جرأة المواجهة، فالجماعات الأخرى انخرطت في الدولة وكسرت حصارها وقبلت بالقوانين وبالمؤسسات وبالدستور مرجعية لها.
إنما الجماعات الشيعية ما زالت تحاصر أغلب أعضائها وتمنعهم من الخروج، بل تفضل أن تمد دائرتها الجماعية إلى «الجماعات» المشابهة خارج الدولة، في حين تحكم الحصار على أفرادها لمنعهم من الخروج لدائرة الدولة.
فإن كانت الصحيفة الناطقة بلسان حالكم مازالت تغذي التضليل والجهل لتعزز عقدة المظلومية فتحكم الحصار وتزيده قوة، بتصنيف التعذيب بتعذيب حلال وتعذيب حرام، فإن كانت تمارسه الجماعة على أفرادها فهو من خيال ضحاياه، أما التعذيب المدان فهو الذي تمارسه الدولة فقط، وكان على الأفراد قبول قانون الجماعة وإن كان تعذيباً وقتلاً وابتزازاً وإرهاباً، فهو عذب زلال، أما قانون الدولة فهو قمع وإرهاب.
وإن كانت نخبكم المثقفة لا تجرؤ على تسمية الأشياء بمسمياتها، فتشرق وتغرب في استعراض الأمثلة وتحوم حوماً حول جماعتها، فستظلون محاصرين، تعيبون على الدولة تقصيرها والعيب في جبن وضعف الأفراد في جماعتكم.
أما خلاصة الخلاصة، فالدولة بأعضائها «المواطنين» يرحبون بكم دوماً ويمدون لكم اليد في تعزيز مرجعياتها وأطرها الدستورية وتقوية مؤسساتها وأنتم من تملكون خيار «الخروج من الجماعة» والدخول في دائرة الدولة راضين بحكم قانونها، أو لكم الخيار بالقبول بالحصار والخنوع والضعف داخل دائرة الجماعة إلى ما لا نهاية تجترون الندب والشكوى واحدة تلو الأخرى.. «فكروا وخبرونا».
{{ article.visit_count }}
حيث يتناول الكتاب إشكاليات الجماعة والانتماء، وموقع الفرد وحريته والدولة وصلاحياتها، وتصنيف الفرد وفقاً لجماعته، دون التطرق للواقع البحريني أبداً.
وتساءل الكاتب في ندوته «أين تكمن خطورة هذا التصور؟ إنها تكمن في مصادرتها لحرياتنا وإرادتنا كأفراد في تقرير ماذا نريد أن نكون؟ ومنْ نحن؟ لأن هذه المصادرة تختزل وجودنا وتقلصه تقليصاً حاداً وحتمياً كما لو كنا أعضاء، وفقط أعضاء في هذه الجماعة أو تلك، وأنه لا فكاك لنا من ذلك كما لو كانت الجماعة سجناً أبدياً، وهذه مسألة خطرة، لأن النتيجة التي يقود إليها هذا التصور هي تعميق خطوط الانقسام بين البشر، الأمر الذي يجعل العلاقات بين البشر قابلة للانفجار مع أية استثارة، بمعنى أن هذا التصنيف يجعلنا أمام وصفة جاهزة لتحويل الانتماء إلى «هويات قاتلة» في أية لحظة.
الدكتور نادر الذي نكن له كل التقدير والاحترام تناول هذه الإشكالية مستشهداً بعدة جماعات كاليهود إبان الحكم النازي والفلسطينيين العرب في إسرائيل، وقمع تلك الجماعات لأفرادها إن هم حاولوا أو اختاروا الانتماء للدولة، ولم تتطرق الندوة – على الأقل فيما نقل منها في جريدة الوسط – إلى ذات الإشكالية عند الجماعات الشيعية في دول الخليج وخاصة في البحرين رغم شكوى العديد من النخب من حصار الجماعة لهم.
فالجماعات الشيعية في دول الخليج أفرادها مواطنون من الدرجة الأولى إلا أن «الجماعة» مازالت هي الإطار الذي يحاصر أعضاءه ويمنعهم من الخروج للدولة، والأحداث التي جرت في السنابس والدراز هي تطور خطير لآلية القمع التي مارستها الجماعة على أفرادها حتى وصلت إلى القتل! وكان الكتاب الذي صدر عام 2009 قد تنبأ بما سيحصل، إنما بقيت مشكلته كما هي مشكلة معظم النخب من الطائفة الشيعية الكريمة في الحوم حول الواقع دون الجرأة على اقتحامه.
ففي كتابه يقول الدكتور نادر: «ينطوي الرهان على انتصار الدولة على مسلمة ذائعة وكثيرة التداول، وتقول إن بين قوة الدولة وقوة الجماعات علاقة تناسب عكسي، فكلما قويت الدولة ضعفت الجماعات، والعكس صحيح، إلا أن الحاصل أن الجماعات حين تضعف فإنها لا تنقرض، بل تزداد قسوة تجاه أي تقصير من قبل أفرادها، وبما أن الدولة قد أضعفت من قوة الجماعات بشكل أو بآخر، فلن يكون من المستغرب أن تكشف هذه الجماعات عن وجهها المكفهرّ، بحيث تتعامل بقسوة تجاه أي تقصير من قبل أفرادها، كما تتعامل مع أي نقد قد يطولها على أنه خيانة وخطر يهدد البقية الباقية من وجودها». ونحن نسأل: ألا يستدعي هذا الشرح العميق للحالة مقاربته مع الواقع البحريني؟.
وواصل: «والحق أن الجماعات المهددة، أو التي تشعر بالتهديد، هي التي تجعل مسؤولية الفرد، ابن الجماعة، على المحك، فالفرد، حتى لو اختار العيش «خارج الجماعة»، مطالب، أخلاقيّاً، بالتضامن مع جماعته والدفاع عنها مهما تكن تبعات ذلك، وفي هذه الحالة، لا تكون الرغبة في العيش «خارج الجماعة» إلا تعبيراً عن موقف ضعيف وجبان وانتهازي».
ونحن نسأل أليس هذا بالضبط ما يجري لأبناء القرى في البحرين فلم نحتاج للاستشهاد بعرب فلسطين أو باليهود حين نبحث عن أمثلة للجماعات؟ فتلك الإسقاطات لا تعزز سوى فكرة المظلومية لا أكثر ولا أقل، وفكرة أن «الجماعة الشيعية» جماعة مضطهدة تواجه دولة محتلة كالفلسطينيين في إسرائيل وكاليهود في ألمانيا! تلك هي المقاربة الوحيدة التي توظفها هذه الاستشهادات، وهي مقاربة تزيد من إحكام الحصار على أفرادها بهذا التشبيه فتمنعهم من القبول بدائرة دولة محتلة كالبحرين!!
مقاربة لا تجرؤ على اقتحام أسوار الجماعة في البحرين وتواجهها بوجهها «المكفهر» أو مواجهة تتبرأ من «مديونيتها» تجاه الجماعة أو على الأقل تصفر تلك المديونية تجاهها.
الخلاصة مع تقديرنا لجرأة الكاتب الأخ الكريم الدكتور نادر هي أنه لن يستطيع أي منكم الخروج من الجماعة ما لم تملكوا جرأة المواجهة، فالجماعات الأخرى انخرطت في الدولة وكسرت حصارها وقبلت بالقوانين وبالمؤسسات وبالدستور مرجعية لها.
إنما الجماعات الشيعية ما زالت تحاصر أغلب أعضائها وتمنعهم من الخروج، بل تفضل أن تمد دائرتها الجماعية إلى «الجماعات» المشابهة خارج الدولة، في حين تحكم الحصار على أفرادها لمنعهم من الخروج لدائرة الدولة.
فإن كانت الصحيفة الناطقة بلسان حالكم مازالت تغذي التضليل والجهل لتعزز عقدة المظلومية فتحكم الحصار وتزيده قوة، بتصنيف التعذيب بتعذيب حلال وتعذيب حرام، فإن كانت تمارسه الجماعة على أفرادها فهو من خيال ضحاياه، أما التعذيب المدان فهو الذي تمارسه الدولة فقط، وكان على الأفراد قبول قانون الجماعة وإن كان تعذيباً وقتلاً وابتزازاً وإرهاباً، فهو عذب زلال، أما قانون الدولة فهو قمع وإرهاب.
وإن كانت نخبكم المثقفة لا تجرؤ على تسمية الأشياء بمسمياتها، فتشرق وتغرب في استعراض الأمثلة وتحوم حوماً حول جماعتها، فستظلون محاصرين، تعيبون على الدولة تقصيرها والعيب في جبن وضعف الأفراد في جماعتكم.
أما خلاصة الخلاصة، فالدولة بأعضائها «المواطنين» يرحبون بكم دوماً ويمدون لكم اليد في تعزيز مرجعياتها وأطرها الدستورية وتقوية مؤسساتها وأنتم من تملكون خيار «الخروج من الجماعة» والدخول في دائرة الدولة راضين بحكم قانونها، أو لكم الخيار بالقبول بالحصار والخنوع والضعف داخل دائرة الجماعة إلى ما لا نهاية تجترون الندب والشكوى واحدة تلو الأخرى.. «فكروا وخبرونا».