قدرة المجتمع على تشخيص مشكلاته المعرفية أهم ما يميز الموضوع الثقافي في أي بلد، وخصوصاً المثقفين والنخبة، وقد يكون التشخيص بهذا المعنى أهم من اقتراح الحلول.
إن مسألة الثقافة جلّها في استيعاب المفاهيم الكبرى للقيم والأخلاق والوجود والنفس والإله، فقوامُ الثقافة من موقع ما بعد الحداثة؛ يتمثل بتلبية حاجات المجتمع المعرفية والوقوف على ماهية الأشياء والمفاهيم كخطوة أولية، تمهيداً لخطوات معرفية أساسية قادمة في شتى المجالات، إذ فرضت ثورة المعلومات أن لا يتحدّد المثقف بالكمّ وحجم الاطلاع بل بالنوع، النوع المؤسس للفعل التواصلي بين أفكار المجتمع المتنوعة -من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار- إن صح التعبير، ذلك أن الفعل التواصلي من أهم نتائج ما توصّلت إليه مدرسة فرانكفورت الاجتماعية النقدية، على يد منظّرها المعاصر يورغن هابرماس.
كما أن الحركة الثقافية تختلف من شعبٍ لآخر، تبعاً لاختلاف الموروث والعادات والتقاليد، وتتحد وتتشابك في مفاهيم الدولة الحديثة والتكنولوجيا ووسائل العيش و(الثقافة العالمية السائدة). وهناك تحديات ثقافية تفرض على الشعوب الانتماء إلى الحضارة الحديثة (المسماة الحضارة الغربية سابقاً)، فحافظ اليابانيون على سبيل المثال على موروثاتهم ومقدّساتهم وعاداتهم وتقاليدهم لكنهم تميّزوا بإسهامهم في هذه الحضارة الحديثة صناعياً وثقافياً، وهنا تحديداً يبدو أننا بحاجة إلى التواصل مع من هو خارج الثقافة الإسلامية العربية، لذلك دور إسعاف الموروث العربي والإسلامي لمجابهة مشرط الغرب الفلسفي وخطر الضياع وسط فضاء الحضارة الحديثة ومتطلباتها المعرفية.