الأسبوع الماضي، كنت من بين المشاركين في دورة تدريبية بعنوان «الأمن السيبراني وطرق تطبيق أفضل الممارسات»، التي نظمها معهد الإدارة العامة لموظفي الدولة. كغيري من المشاركين، دخلت القاعة وأنا أحمل تصوراً مسبقاً بأن هذه الدورة ستكون مجرد إضافة نظرية هامشية، لا تمت لعملي أو تخصصي بصلة. إلا أنني فوجئت بمدى أهمية ما تم طرحه، وكيف أن الأمن السيبراني ليس قضية تقنية بحتة، بل هو جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية.

في البداية، يبدو مفهوم الأمن السيبراني وكأنه مرتبط فقط بالمختصين في مجالات البرمجة والشبكات وتكنولوجيا المعلومات. لكن خلال الدورة، أدركت أنه قضية تمس كل فرد في المجتمع، بغض النظر عن موقعه أو وظيفته. اليوم، نحن جميعاً نعيش في عالم تحكمه التكنولوجيا، بدءاً من معاملاتنا البنكية، مروراً بالتسوق عبر الإنترنت، وصولاً إلى طلب الطعام عبر التطبيقات. ومع أن هذه الوسائل تبدو مريحة وآمنة في ظاهرها، إلا أنها تخفي وراءها مخاطر حقيقية يمكن أن تتحول إلى كوارث إذا لم نكن على وعي بكيفية التعامل معها.

لقد تم تسليط الضوء خلال الدورة على أمثلة عملية وواقعية تكشف عن خطورة الإهمال في هذا المجال. إحدى أبرز الحوادث الأخيرة كانت لشركة «أوبر» (Uber) التي تعرضت لاختراق سيبراني في سبتمبر 2023، حيث تمكن مراهق يبلغ من العمر 18 عاماً من الوصول إلى أنظمتها الداخلية. استغل المخترق تقنيات الهندسة الاجتماعية لإقناع موظفي الأمن بمنحه الصلاحيات اللازمة، مما مكّنه من الوصول إلى بيانات حساسة ونشر رسالة عبر النظام الداخلي للشركة يُعلن فيها عن الاختراق. هذا الحادث يؤكد أن التهديدات السيبرانية ليست مجرد قصص تُروى، بل هي واقع ملموس قد يستهدف أي مؤسسة أو فرد دون استثناء.

ربما يتساءل البعض، كيف يمكن أن أكون عرضة لمثل هذه الهجمات؟ الإجابة ببساطة تكمن في تصرفات تبدو عادية، مثل الضغط على رابط في رسالة بريدية غير موثوقة، أو مشاركة رمز تحقق (OTP) مع جهة تدعي أنها رسمية. هذه التصرفات البسيطة قد تفتح الباب أمام المتسللين للوصول إلى بياناتك الشخصية أو حتى أموالك. لكن المسؤولية لا تقع فقط على عاتق الأفراد. المؤسسات الحكومية والشركات عليها دور كبير في تعزيز الوعي بين موظفيها وتطبيق أفضل الممارسات لحماية بياناتها وأنظمتها. على سبيل المثال، هناك من يستغرب من منع استخدام أقراص الذاكرة الخارجية (USB) في بعض الجهات، أو حظر الدخول إلى مواقع معينة. إلا أن هذه الإجراءات، التي قد تبدو مزعجة للبعض، تأتي لحماية المؤسسة من أخطار محتملة قد تتسبب في خسائر هائلة.

ما تعلمته من هذه الدورة لا يقتصر على ما يمكنني تطبيقه في عملي فقط، بل أدركت أن الأمن السيبراني يجب أن يكون جزءاً من ثقافتنا اليومية. من واجب كل فرد في المجتمع أن يتعلم أساسيات الحماية السيبرانية، وأن ينقل هذه المعرفة إلى من حوله، سواء كانوا أفراد أسرته أو زملاءه في العمل. الأمر ليس معقداً كما يبدو، خطوات بسيطة مثل استخدام كلمات مرور قوية، تحديث الأجهزة بانتظام، وتجنب الروابط المشبوهة يمكن أن تصنع فارقاً كبيراً.

مملكة البحرين تفخر بكونها من الدول السباقة في تعزيز الأمن السيبراني، من خلال إنشاء المركز الوطني للأمن السيبراني الذي يعمل كدرع لحماية الوطن والمواطنين من المخاطر المتربصة. كما أن الجهود المبذولة من قبل معهد الإدارة العامة في تقديم دورات تدريبية بهذا المستوى تعكس رؤية واضحة لمستقبل آمن ومستقر.

في الختام، الأمن السيبراني ليس مجرد خيار أو رفاهية، بل هو مسؤولية جماعية تبدأ من الأفراد وتمتد إلى المؤسسات. كل واحد منا قادر على أن يكون جزءاً من الحل، من خلال تثقيف نفسه ونقل هذا الوعي إلى الآخرين. إذا كنت قد تعلمت شيئاً جديداً اليوم، فلا تبخل به على من حولك. فلربما تكون نصيحتك سبباً في حماية عائلة أو مؤسسة من مخاطر قد تكون كارثية. لنبدأ جميعاً بخطوات صغيرة ولكنها حاسمة لحماية مستقبلنا الرقمي.