تُعد الحياة الثقافية والأدبية في إقليم البحرين خلال عصر صدر الإسلام من الفترات الغنية التي ساهمت في تشكيل الهوية الثقافية للمنطقة. فقد كانت البحرين نقطة التقاء للحضارات المختلفة، حيث تداخلت التأثيرات العديدة مع تعاليم الدين الإسلامي، فساهم هذا التنوع الثقافي بالإضافة إلى التفاعل المباشر مع الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، في إغناء المعرفة والأدب والشعر في البحرين. في هذا المقال، نستعرض أبرز ملامح الحياة الثقافية والأدبية في البحرين، مع التركيز على التعليم، ودور الصحابة، ورواة الحديث، بالإضافة إلى الشعراء والأدباء البارزين.
المرحلة الأولى لتعليم أهل البحرين قواعد الإسلام
تعود بدايات التعليم الإسلامي في البحرين إلى فترة مبكرة، حيث بعث المنذر بن عائذ (الأشج) عمر بن عبد القيس إلى مكة لاستيضاح أمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم. أسلم على يديه وتعلم القرآن، وعاد إلى البحرين ليشارك في نشر الدين ثم جاء وفد مسلمي البحرين بزعامة الأشج إلى النبي قبل فتح مكة، طالبين تعلم أمور الدين. فعلمهم الرسول أركان الإسلام، مثل الشهادتين والصلاة والزكاة، وحرّم عليهم بعض الأشياء، مثل المسكرات. وقد أقام الوفد في المدينة عشرة أيام، حيث تعلموا القرآن والفقه، وعادوا إلى البحرين لتطبيق ما تعلموه، وبنوا أول مسجد في جواثا، الذي يُعد أول مسجد أقيمت فيه صلاة الجمعة في البحرين. كما مثّل المسجد المدرسة الإسلامية الأولى في البلاد.
- قدوم الصحابة ودورهم في التعليم: وممّا زاد إثراء حركة التعلم في البحرين تواجد عدد من كبار الصحابة فيها لمدد زمنية متفاوتة ومنهم العلاء بن الحضرمي وأبو هريرة وقدامة بن مظعون وأبو عبيدة عامر بن الجراح، بالإضافة إلى مساهمة الصحابة من أهل البحرين الذين حضروا بوفود متتابعة إلى المدينة وتعلموا أمور الدين ومبادئ الإسلام ليعودوا لديارهم برفقة بعض علماء الصحابة ليساهموا معاً بنشر الفقه والقرآن الكريم وأحكام الدين والعبادات والمعاملات، وفي ذات الوقت كان لعثمان بن أبي العاص الثقفي والي البحرين اهتمام واضح في رفد وتعزيز التعليم ونشر الثقافة وعلوم الدين، من خلال بناء المساجد ودعم وحث العلماء على نشر العلم في مختلف مدن ونواحي البحرين. وبذلك أثر الصحابة في نشر وتعلم العلوم الشرعية وتنشيط حركة التعليم، ولم يقتصر التعلم على العلوم الشرعية فحسب بل ظهر من بين أهل البحرين من اهتم بعلم الفلك والطب والفلسفة نذكر منهم الجارود بن المعلى، وأبي الجلد الهجري، ممّا ساهم في بناء مجتمع مثقف متعلم ومؤمن.
- رواة الحديث من أهل البحرين: كان للصحابة والتابعين من أهل البحرين دور بارز في رواية الأحاديث ونشر العلم. من الصحابة، برز أبان المحاربي وصحار بن عباس العبدي، اللذان رويا العديد من الأحاديث النبوية، بالإضافة إلى أبي خيرة الصباحي وهرم بن حيان العبدي. كما ساهم الجارود بن المعلى بمعرفته في الكتب السابقة. ومن التابعين، كان خلاس بن عمرو الهجري وزياد بن سليم العبدي من أبرز الرواة، حيث شهد الأول فتح اصطخر. كما كان المنذر بن مالك ومهدي بن حرب من العلماء المعروفين. هذه الجهود أسّست قاعدة علمية ساهمت في نشر الدين في البحرين.
- أشهر الشعراء والأدباء في البحرين: عرفت البحرين الشعر منذ القدم، واشتهر فيها عدد من الشعراء في العصر الجاهلي والإسلامي، مثل الجارود بن المعلى وعبد الله الكلابي، اللذين عبرا عن إيمانهما ونشدا في أحداث حروب الردة. كما تميز سوار بن همام العبدى وخليد بن المنذر بشجاعتهم في فتوحات بلاد فارس. وغيرهم حيث ساهموا في توثيق التاريخ البحريني من خلال أشعارهم، ممّا جعل البحرين موطنًا لثقافة شعرية غنية في صدر الإسلام. كما برز أدباء وعلماء أثروا في الحياة الثقافية والدينية. فكان صحار بن العباس العبدي من أبرز الخطباء، واشتهرت بلاغته.
- البحرين.. تفاعل ثقافي وإرث إسلامي: تُظهر الحياة الثقافية والأدبية في إقليم البحرين خلال عصر صدر الإسلام كيف تداخلت التأثيرات الثقافية والدينية لتشكل مجتمعاً غنياً بالمعرفة والفنون. من خلال التعليم الذي أسّسه الصحابة، ورواية الحديث، وتنوع الشعر والأدب والعلوم الأخرى، استطاعت البحرين أن تؤدي دوراً مهماً في التاريخ الإسلامي. إن هذه الفترة لم تكن مجرد انتقال للإسلام، بل كانت بداية لنهضة ثقافية أدبية ومساهمة واضحة في الحضارة العربية الإسلامية أثرت في الأجيال اللاحقة وأسست لقاعدة معرفية لاتزال تبرز حتى اليوم.
تجسّد هذه الممارسات الأدبية والفكرية عمق الهوية العربية والإسلامية، حيث ساهمت في بناء مجتمع متعلم ومؤمن، يعكس القيم الأخلاقية والتقاليد الثقافية الغنية. إن دور الصحابة في نشر العلوم وتعليم الدين أرسى أسساً راسخة للثقافة البحرينية، مما يجعل الأدب والشعر جزءاً لا يتجزأ من الهوية الوطنية. هذه العلاقة الوثيقة بين البحرين والنبي وخلفائه تعكس التفاعل الإيجابي بين الدين والثقافة، مما أضفى طابعاً متميزاً على تاريخ البحرين العريق، والذي يستمر في التأثير على الحياة الثقافية حتى يومنا هذا.
* باحثة أكاديمية في التاريخ الحضاري لمنطقة الخليج العربيّ
asmaa_97@