منذ فجر التاريخ، أدرك المفكرون والفلاسفة أهمية اللغة بوصفها نافذة الإنسان على العالم وأداة لصياغة الفكر، فاللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي الأساس الذي تقوم عليه ثقافات الأمم وهوياتها، مما يجعلها عنصرًا أساسيًا في نهضة المجتمع ورقيه.
اللغة العربية، التي حملت أعظم الأعمال الأدبية والعلمية عبر القرون، ليست استثناء، فهي جسر يربطنا بماض غني بالإبداع والمعرفة، وتمثل أساسًا لبناء مستقبل يتسم بالابتكار والتكامل، لأجل ذلك مبادرة "نكتب بالعربية" كخطوة رائدة تهدف إلى تعزيز مكانة اللغة العربية بين الأجيال الشابة.
هذه المبادرة، التي انطلقت بدعم من القطاعين العام والخاص، تسعى إلى تشجيع الناشئة على استكشاف جماليات لغتهم الأم من خلال الكتابة الإبداعية، حيث لا تقتصر على تعزيز المهارات اللغوية، بل تتجاوز ذلك لتلهب خيال الشباب وتفتح أمامهم آفاقًا جديدة تجمع بين الإبداع والتكنولوجيا، في إطار يعكس التكامل بين الأصالة والمعاصرة.
على مر العصور، كانت اللغة العربية الحاضنة للفكر والإبداع، فقد دونت بها أبرز الاكتشافات العلمية والفلسفية في عصور ازدهار الحضارة الإسلامية، وكان أعظم العلماء يستخدمونها لنقل أفكارهم إلى العالم. هذه اللغة التي كانت لغة العلم والمعرفة في الماضي، ما زالت تحتفظ بمكانتها بوصفها لغة القرآن الكريم، مصدر القيم الروحية والفكرية.
اليوم، تواجه اللغة العربية تحديات كبيرة في ظل العولمة وسيطرة التكنولوجيا، ومع ذلك فإن مبادرات مثل "نكتب بالعربية" تعيد إحياء هذا التراث العظيم من خلال ربط الأجيال الشابة بلغتهم الأم، وتشجيعهم على استخدامها ليس فقط للتواصل، بل كأداة للإبداع والتفكير النقدي.
المبادرة لا تقتصر على كونها مشروعًا تعليميًا، بل هي رؤية مجتمعية شاملة تهدف إلى تمكين الشباب من التعبير عن أنفسهم بلغتهم الأم، فالقصص التي يبدعونها ليست مجرد كلمات مكتوبة، بل هي وسيلة لصقل أفكارهم وربطهم بجذورهم الثقافية. كما تؤكد الشراكة بين القطاعين العام والخاص في هذه المبادرة التزام المجتمع بدعم التنمية المستدامة والاستثمار في المواهب المحلية الواعدة.
في الوقت الذي نحتفي فيه بجماليات اللغة العربية، لا يمكن إغفال أهمية تعلم اللغات الأخرى، خاصة الإنجليزية، التي أصبحت لغة التكنولوجيا والأعمال. ومع ذلك، فإن التوازن بين إتقان اللغتين أمر ضروري، فاللغة العربية تمنحنا الهوية والعمق الثقافي، بينما تفتح اللغات الأخرى آفاقًا أوسع نحو العالم.
مبادرة "نكتب بالعربية" تضع البحرين في طليعة الدول التي تدرك قيمة الاستثمار في اللغة بوصفها أساسًا للتنمية والإبداع. إنها دعوة للأجيال الشابة لاكتشاف قوة لغتهم، وتعزيز ارتباطهم بهويتهم، والانطلاق نحو مستقبل مليء بالفرص.
ونختتم بما قاله الجاحظ: "البيان هو ترجمان القلوب"، ومن خلال إتقان العربية، نضمن بناء جيل يفخر بتراثه، ويواكب العالم بثقة وإبداع وبلسان عربي فصيح.