إذا أردت أن تعرف الفارق بين دولة القانون والمؤسسات ودولة الظلم والاستبداد، إذا أردت أن تعرف الفرق بين الإنسانية والوحشية عليك أن تتابع تلك الصدفة الغريبة التي جعلت من يوم الاحتفال بتخريج الدفعة الثالثة من برنامج السجون المفتوحة في مملكة البحرين تتزامن مع فتح سجن صيدنايا في سوريا من قبل الفصائل المسلحة والإفراج عن المساجين.. يالله.. كم هو غريب هذا الإنسان كيف بإمكانه أن يكون ملاكاً أو شيطاناً القرار له ... يختار بكامل إراداته، "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها".

أنت ترى هنا في البحرين الإنسانية في أجمل صورها وهي تتعامل مع من أذنب وحكم عليه ويراد إصلاحه وإعادة تأهيله، أنت ترى هنا تقوى الله.

بالمقابل ترى هناك الفجور في أقصاه والوحشية بأبشع صورها أولاً بخلط بين مَن أذنب مع من هو بريء، بل من كان رهينة يبتزون بها آباءهم بلا ذنب وهو يقضي سنوات خلف القضبان ومنهم بنات، ولم يتم الاكتفاء بحجز حريتهم كعقوبة وهي الغاية من السجون، بل شهدوا زيادة على ذلك ممارسات لا يمكن أن تمت للإنسانية بصلة.

منظر خريجي العقوبات البديلة في البحرين وهم بكامل هندامهم وبصحتهم والأهم بكرامتهم وهم ممتنون لسياسة مملكة البحرين الرحيمة الإنسانية التي وقف فيها المحكوم إلى جانب رجال إنفاذ القانون جنباً إلى جنب يتبادلون التحية والشكر والامتنان للمعاملة الحسنة وللاهتمام بإعادة تأهيلهم للمجتمع ومساعدتهم على الاندماج وبصدق نوايا الإصلاح والتأهيل.

بالمقابل وفي ذات اليوم ترى الذين خرجوا من بعد فتح الأبواب في ذاك السجن والنزول إلى تحت السراديب يخرجون وهم أقرب إلى الجنون أو فقد الذاكرة أو معاقين يزحفون.

مقارنة غريبة وعجيبة بين فلل راقية جداً سكن فيها من يطبق عليهم برنامج السجون المفتوحة وبين سراديب السجن الأحمر في سجن صيدنايا التي جمعت الفئران والمساجين المتكدسين فوق بعضهم البعض بحيث يتناوبون على ساعات افتراش الأرض!!

أما الأكثر وجعاً وألماً فهن النساء اللاتي تم اغتصابهن وولدن أطفالاً وهؤلاء الأطفال لم يروا النور أو الحياة خارج الزنزانة منذ ولادتهم، هل هناك أكبر من هذا الفجور.

هذه الشريحة المجتمعية هي امتحان للإنسانية كقيم ومبادئ وامتحان للدولة وما تقوم عليه وما تعمل على إدارته.

فليس هناك دولة في العالم خالية من السجون، وليس هناك دولة مجتمعها خالٍ من الذين يخالفون القانون والعقوبات التي تسن من أجلهم، إنما الامتحان الذي يفرق بين دولة ودولة هو في كيفية تعامل الدولة بقوانينها ومؤسساتها وثقافتها مع هذه الشريحة، وفي هذا الامتحان تكرم الدولة أو تهان، تنجح أو ترسب، تعلو أو تسقط.

"بالمناسبة هذا المقال لا علاقة له بالفصائل المسلحة التي أسقطت نظام بشار الأسد فلا نعرف بعد اتجاهها وما ستؤول إليه الأمور لاحقاً".