تخيّل أنك جالسٌ في مساءٍ هادئ، وفجأة يرن هاتفك. تظهر أرقامٌ غير مألوفة، فتردّ بتحفّظ: «ألو؟». يأتيك صوتٌ واثق ولكن فيه شيء غريب: «مرحباً، كيف حالك؟». تعتذر بلطف وتغلق الخط معتقداً أنه رقم خاطئ. ثم لا تلبث أن تسمع رنيناً مجدداً. تردّ بحذر، فإذا بالصوت على الطرف الآخر يحدّثك قائلاً: «لماذا أغلقت الخط؟ أنا أنت، ألا تتعرّف على صوتك؟». لحظة صمت ممتزجة بالدهشة. كيف تسمع صوتك خارج إطار نفسك؟ هل هذا مشهد خيالٍ علمي أم واقع اقتحم حياتنا بالفعل؟
في الحقيقة، لم يعد هذا الخيال ببعيدٍ عنا. تقنية «الذكاء الاصطناعي التوليدي للصوت» باتت قادرة على استنساخ الأصوات البشرية بدقةٍ مذهلة، بما في ذلك صوتك شخصيّاً، ومن تسجيلٍ قصير لا يتعدى بضع ثوانٍ. هذه التقنية ترتكز على الشبكات العصبية التي تتدرّب على ملايين العينات الصوتية للبشر، حتى يصبح بإمكانها «تركيب» الصوت بشكل يبدو طبيعياً جداً، وكأن إنساناً حقيقياً ينطق الكلمات.
ولعلك تُفاجأ إن علمت أنّ هذه التقنية تطلّ عليك في جوانب كثيرة من حياتك الرقمية. فالمساعدات الصوتية مثل «سيري» و«أليكسا» هي أصدقاءٌ يوميون لنا، تعمل خلفها خوارزميات معقّدة تمنحها ذلك الدفء البشري. وفي عالم الكتب الصوتية، لم تعد الأصوات الاصطناعية مجرّد روبوتاتٍ تفتقر إلى الإحساس، بل صارت تُلقي النصوص بسلاسةٍ وتعبيرٍ يضاهي الإنسان. أما الأشخاص الذين يواجهون صعوبات في القراءة، فيجدون في هذه التقنية ضالتهم، إذ تساعدهم في تحويل النص إلى كلام مسموع بوضوح ومرونة.
لكن ماذا عن استخدام هذه التكنولوجيا في البحرين؟ الفرص هائلة؛ فبإمكان الجهات التعليمية الاستعانة بها لإنتاج مواد صوتية باللهجة البحرينية، تتيح للطلبة فهم المناهج بصورة أفضل وتُثري الحصيلة اللغوية. وحتى في قطاع السياحة، يمكن تفعيل أدلة صوتية ذكية في المواقع التاريخية، مثل قلعة البحرين، لتقديم المعلومات بأسلوبٍ حيوي وجذاب. وقد نذهب أبعد من ذلك، فنتخيّل إعادة إحياء أصوات شخصياتٍ بحرينية تاريخية، في سردٍ يدمج الأصالة بالابتكار لتوثيق تراثنا.
لكن كما لكل تقنيةٍ وجهٌ مُشرق، هناك جانبٌ مظلم. الجرائم الصوتية والاحتيال باستخدام الأصوات المستنسخة باتت تهديدًا حقيقيًا، إذ يمكن لشخصٍ ما تقليد صوتك للاتصال بعائلتك أو أصدقائك وطلب معلوماتٍ حساسة أو أموال. لذا، من الضروري وجود تشريعاتٍ تضمن حماية الخصوصية وتنظّم استخدام هذه التقنية بحكمةٍ ومسؤولية.
ختاماً، يبدو أنّ المستقبل يحمل لنا عالَماً قد يتحدّث فيه صوتنا دون إذننا. السؤال: هل نحن مستعدّون لسماع أنفسنا في مكالمةٍ لم نجريها أو في مقطع فيديو لم نسجّله؟ التقنية تتقدّم بسرعةٍ هائلة، والخيال يتحول إلى واقعٍ يوماً بعد يوم. فهل نرحّب بهذا «الصوت المستنسخ» ونستفيد منه؟ أم نخشى تحوّله إلى سلاحٍ في أيدي العابثين؟ القرار في النهاية بأيدينا.