تُعدّ المجالس في مملكة البحرين مظهرًا حضاريًّا وتراثيًا فريدًا يعكس عمق التقاليد وأصالة القيم الّتي يتوارثها المجتمع البحرينيّ جيلًا بعد جيل، وتُمثّل هذه المجالس نافذة مفتوحة على تاريخ وثقافة المملكة العريقة الّتي تحرص القيادة الحكيمة على غرسها وتعزيزها في نفوس أبناء الوطن. وفي شهر رمضان المبارك تكتسب هذه المجالس أهمّيّة خاصّة، إذ تتحوّل إلى فضاءات اجتماعيّة تجمع أبناء المجتمع من كافّة الفئات والطبقات في أجواء تسودها المودّة والألفة والتسامح، وتكون بمثابة جسر متين يعزّز روابط الأخوّة والتواصل والمحبّة بينهم، ويبرز من خلالها التفاعل الاجتماعيّ والثقافيّ الّذي يُعدّ سمة بارزة تميّز المجتمع البحرينيّ منذ القدم وحتّى يومنا هذا.
إنّ من يزور البحرين خلال رمضان لا بدّ أنّ تلفته هذه الظاهرة الاجتماعيّة الأصيلة، حيث تفتح المجالس أبوابها لاستقبال الضيوف، من المواطنين والمقيمين، في جوّ من الألفة والدفء الاجتماعيّ، وتتجاوز كونها لقاءات اجتماعيّة عابرة؛ فهي تجسّد قيم التآلف والترابط المجتمعيّ الراسخ، وتبرز كأحد أهمّ أدوات تعزيز الهويّة الوطنيّة وتكريس قيم الانتماء والولاء الّتي تحرص القيادة الرشيدة في ظلّ العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه اللّه ورعاه، على تعزيزها وتثبيتها في نسيج المجتمع البحرينيّ.
ويأتي حرص صاحب السموّ الملكيّ الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظه اللّه، على زيارة المجالس الرمضانيّة والتواصل المباشر مع المواطنين كدلالة واضحة على عمق العلاقة الراسخة بين القيادة والشعب، وانعكاسًا للاهتمام الكبير بتعزيز الحوار المجتمعيّ وتأكيد قيم المشاركة والانفتاح. فالزيارات المتكرّرة لسموّه لهذه المجالس الرمضانيّة تترجم عمليًّا نهج الحكومة الموقّرة في تعزيز التلاحم الوطنيّ ومواصلة تحقيق الإنجازات التنمويّة، وتؤكّد التزام السلطة التنفيذيّة بالتفاعل المستمرّ مع المواطنين والاستماع إليهم عن قرب، وترسيخ مفهوم العمل بروح الفريق الواحد لتنفيذ الرؤى الملكيّة السامية.
لقد حافظت هذه المجالس الرمضانيّة على طابعها المميّز كمراكز اجتماعيّة وثقافيّة، حيث تحتضن نقاشات متنوّعة تساهم في ترسيخ ثقافة الحوار المفتوح بين أبناء الوطن. فالمجالس تشكّل ملتقى للتبادل الفكريّ والثقافيّ، إذ يطرح فيها الحاضرون أفكارهم حول شؤون متعدّدة تتراوح بين قضايا التنمية المحلّيّة والتطوّرات الاقتصاديّة، إلى مناقشة الموضوعات الثقافيّة والأدبيّة الّتي تعنى بترسيخ القيم المجتمعيّة وإبراز الهويّة البحرينيّة الأصيلة. كما توفّر هذه المجالس فضاء مثاليًّا للاستماع إلى مختلف الآراء والأفكار بطريقة حضاريّة، وهو ما يعزّز روح المشاركة الإيجابيّة والتفاعل البناء بين كافّة أطياف المجتمع البحرينيّ.
كما أنّ استمرار هذه التقاليد والحرص على إحيائها سنويًّا يؤكّد عمق جذورها التاريخيّة، ويبرز تميّز المجتمع البحرينيّ بقدرته على التمسّك بقيمه وإرثه الحضاريّ، بل أصبحت نموذجًا حيًّا لروح التكاتف الاجتماعيّ الّذي يعدّ ركيزة أساسيّة في مسيرة التنمية الشاملة الّتي تشهدها مملكة البحرين بقيادة جلالة الملك المعظم، أيّده اللّه، وبمتابعة مباشرة من سموّ وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء.
ختامًا، تبقى المجالس الرمضانيّة البحرينيّة علامة مضيئة في سجلّ العادات الاجتماعيّة الّتي تميّز المملكة، وتشكّل جسرًا تتعمّق فيها الصلات بين القيادة الحكيمة والشعب بكلّ شرائحه، حيث تتجدّد روح الانتماء، وتترسّخ الهويّة الوطنيّة بكلّ تجلّياتها، وتقام جسور الحوار البناء بين مختلف فئات المجتمع، وتتعزّز أواصر التكاتف والتلاحم الّتي طالما ميّزت أهل البحرين، وجعلت من هذه المجالس علامةً فارقة وموروثًا ثقافيًّا واجتماعيًّا يعكس أصالة المجتمع البحرينيّ وتماسكه المتجدّد عبر الأزمان.