في زمن تزاوج فيه الإعلام مع التكنولوجيا، لم تعد عمليات النصب والاحتيال، والتي رأينا صوراً كثيرة منها، بحاجة إلى زقاق مظلم أو وجوه مشبوهة، فاليوم ومع التطور التكنولوجي؛ يكفي تسجيل حساب مجهول على منصة تواصل اجتماعي، وصورة هاتف لامع أو جهاز إلكتروني مغرٍ بسعر «لا يفوت»، حتى يقع المئات في فخ منسوج بخيوط الوهم والطمع.
مؤخراً وصلتني شكاوى واتصالات من عدد كبير من الزملاء والأصدقاء يطالبون فيها بتسليط الضوء على ما شهدته الفترة الأخيرة من انتشار الكثير من الحسابات الوهمية، وبوتيرة مقلقة، والتي تدعي بيع عبايات ومنتجات تجميل وأجهزة إلكترونية وهواتف وأجهزة كهربائية، وكل ما يمكن أن يخطر على البال، بأسعار مغرية تقل عن السوق بأضعاف، أو حتى بأقساط ميسرة.
هذه الحسابات توهم المتابعين بعروض «خاصة»، وأحياناً تزعم بأنها تمثل متاجر كبرى، أو تقدم خدمات توصيل مجانية وسريعة، ولكن ما أن يتم تحويل المبالغ المطلوبة حتى يتبخر الحلم، ويجد الضحية نفسه محظوراً، بلا جهاز وبلا مال وبلا طريق واضح لاسترداد حقه.
المشكلة لا تقف عند حدود السرقة فحسب؛ بل تتعداها إلى غياب الرقابة ووجود فجوة قانونية كانت، حتى وقت قريب، تمنح هؤلاء المحتالين مساحة واسعة للعبث بأمان الناس وثقتهم، وهنا تبرز أهمية قانون الصحافة الجديد، الذي لم يقتصر دوره على تنظيم العمل الإعلامي فحسب، بل يتناول أيضاً تنظيم المحتوى الإعلاني على منصات التواصل الاجتماعي، في خطوة طال انتظارها.
هذا القانون، والذي نأمل أن يتم تفعيله بجدية في أسرع وقت ممكن، قد يشكل رادعاً لكل من يتلاعب بالمستهلك تحت عباءة «إعلان تجاري»، ويمنح الجهات الرقابية آلية واضحة لملاحقة الحسابات الوهمية ومحاسبة أصحابها.
لكن القانون وحده لا يكفي، فالرهان الحقيقي يبقى على الوعي المجتمعي، وهنا يأتي دور الجهات المعنية والمؤسسات الإعلامية المختلفة، والتي يقع على عاتقها إطلاق حملات توعوية مستمرة، تحذر من هذه الحسابات، وتوضح للناس كيفية التمييز بين المعلن الحقيقي والوهمي، وكيف يحصنون أنفسهم رقمياً من الوقوع في مصائد الإفلاس النفسي والمادي.
الحسابات الوهمية تجاوزت كونها مجرد مشكلة تقنية، بل أصبحت قضية رأي عام تمس ثقة المجتمع بالمنصات التي يستخدمها يومياً، وأهمية التصدي لها يبدأ بالقانون، لكنه لا يكتمل إلا بالإعلام المسؤول والوعي المجتمعي المتماسك.
إضاءة
للأسف الشديد؛ فإن من يقفون وراء هذه الحسابات الوهمية يظنون أنهم يحققون مكاسب، غافلين عن حقيقة بسيطة وعميقة في آنٍ واحد، وهي أنهم لو أدركوا حقاً أن الحياة قصيرة، وأن ما يجمعونه من أموال بطرق غير مشروعة لا يساوي شيئاً أمام كرامة الإنسان ونظافة اليد، لما فعلوها.