قبل أيام قصدت مبنى هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية لإنجاز إحدى المعاملات الخاصة، كل شيء بدا منظماً منذ لحظة دخولي إلى الساحة الخارجية، إلى أن وقفت عند بوابة المبنى الرئيسية، حيث استرعى انتباهي نقاش محتدم بين أحد رجال الشرطة المكلفين بتأمين المبنى وأحد المراجعين.لم يكن الموقف عادياً؛ فقد أصر الشرطي على رفض دخول المراجع لأنه كان يرتدي بنطالاً قصيراً جداً (شورت)، في مخالفة واضحة لما وصفه الشرطي بـ«السياسة العامة والذوق العام»، حاول المراجع الإلحاح والتبرير، لكن رجل الأمن ظل متمسكاً بموقفه بثبات واحترام حتى اضطر المراجع في النهاية إلى المغادرة.المشهد ترك لدي تساؤلات وتأملات؛ لأننا هنا لا نتحدث عن مجرد قطعة ملابس؛ بل عن مظهر يعكس الذوق والاحترام للمكان والناس. فالمؤسسات الرسمية، مثل هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية وغيرها، هي واجهات للدولة، ومقصد يومي لمئات المواطنين والمقيمين، ما يجعل من احترامها، شكلاً ومضموناً، واجباً وطنياً وأخلاقياً.إن الالتزام بالملابس المقبولة دينياً واجتماعياً لا يجب أن يكون مجرد توصية، إنما يمثل ممارسة تعكس وعينا وثقافتنا وقيمنا التي تربينا عليها، فالملبس ليس تفصيلاً صغيراً، بل رسالة مرئية تختصر كثيراً من القيم.في البحرين، كنا ولانزال وسنظل، نعتز بإرثنا الثقافي والديني والأخلاقي، ونفخر بأن الذوق العام جزء من هويتنا الوطنية، لذلك فإن احترام الضوابط السلوكية في الأماكن العامة يجب أن يشمل الجميع دون استثناء، سواء أكانوا مواطنين أو مقيمين، وبغض النظر عن الظرف أو المكان أو الزمان.ما حصل على بوابة الحكومة الإلكترونية، يجب أن يكون نموذجاً يحتذى به في جميع الأماكن، فالمؤسسات، حكومية كانت أو خاصة، بما فيها المستشفيات والمراكز الصحة والمجمعات التجارية، مطالبة بتعزيز هذه القيم وليس التغاضي عنها، وللأسف فإن ظاهرة ارتداء الملابس القصيرة وغير اللائقة بدأت تشكل تلوثاً بصرياً لا يليق بمكانة البحرين ولا بصورة مؤسساتها.في الختام؛ لا يسعني إلا أن أوجه تحية تقدير لرجل الأمن الذي تمسك بتطبيق النظام ولم يتهاون أمام ضغوط المراجع، مقدماً نموذجاً للانضباط والغيرة على المصلحة العامة، متمنية أن يحذو جميع رجال الأمن وموظفي الاستقبال في المؤسسات العامة والخاصة حذوه، لتبقى البحرين كما عهدناها عنواناً للذوق والأخلاق و«السنع».إضاءة..رغم عدم وجود قانون في البحرين يفرض عدم ارتداء ملابس غير لائقة في الأماكن العامة، إلا أن قانون العقوبات في مادته 350 نص على «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو بالغرامة التي لا تجاوز مائة دينار كل من أتى علناً فعلاً مخلاً بالحياء»، حيث إن ارتداء ملابس تخالف معايير الاحتشام والأخلاق يمكن أن تصنف كفعل فاضح.