انتهت أيام العشر من ذي الحجة كلمح البصر، وانتهى معها موسم من أجمل مواسم الحياة على الإطلاق، وهو موسم الحج، وأجمل رحلة. ونحمد الله عز وجل أن بلغنا هذه العشر، ونحمده أن بلّغ من اصطفاهم لحج بيته الحرام، وبلّغ من اختارهم لخدمة ضيوف الرحمن من بين كل البشر، فبلغهم الوقوف في عرفة، وأداء جميع المناسك، والعودة إلى ديارهم وأهليهم سالمين، غانمين بالخير والمثوبة والأجر.
موسم ليس ككل المواسم، فيه اصطفاء خاص لعباد الرحمن، ممن وُفّقوا ليكونوا هناك في أرض مكة، يتذوقون حلاوة الإيمان، والقرب من الديّان، ويستشعرون أحاسيس كل منسك يقومون به، من أجل رضا الرحمن وبلوغ الجِنان.
انتهى هذا الموسم، ولم تنتهِ معه رحلة الحياة العامرة بالخير، ما دامت أنفاس المرء باقية، تتنفس الطاعات والقربات. وحريٌّ بمن وفّقه الله تعالى لإتمام هذا الخير، أن يحمد الله عز وجل، وأن يسأله قبول الطاعة والعمل، وأن يواصل الأعمال التي تدرب عليها في موسم التدريب الإيماني، وأن تكون له «رسالة حياة» يقوم بها في حياته؛ من أجل أن يعزز ذلك القرب، وألا يفتر لحظة واحدة عن طاعة الله عز وجل. فهنيئًا لكم، يا حُجّاج بيت الله، فقد عدتم كيوم ولدتكم أمهاتكم.
سبحان الله، الوجوه غير الوجوه. تلك التي رأيناها في أرض مكة بعد إتمام مناسك الحج؛ ترى السعادة والراحة في وجوه الحجاج بكافة لغاتهم، وقد أتموا، بحمد الله وتوفيقه، أداء مناسك الحج. إنها سعادة بإتمام النسك، وبنعمة الاصطفاء، وهم الذين انتظروا دورهم لأداء الحج، وقد حانت الفرصة ليكونوا ضمن ضيوف الرحمن. بالفعل، إنها نعمة وفضل من الله تعالى، وتوفيق خاص. ما أجمل أن تفرح بالطاعة بعد إتمامها، في أجمل المواسم! قال تعالى: «قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون».
جمال «أجمل رحلة» هو ذلك الاستقبال الحاشد، الذي قوبل به ضيوف الرحمن بعد العودة إلى الديار سالمين؛ استقبال ينم عن وعي، وسعادة، ومباركة لضيوف الرحمن بأن وفقهم المولى الكريم ليكونوا ضمن وفادته، وأداء جميع المناسك بطمأنينة وسكينة. فقرّت أعينكم بعودة أهليكم، وحجٌّ مبرور، وذنبٌ مغفور، وتجارةٌ لن تبور.
رحلة خدمة ضيوف الرحمن في أجمل رحلة انتهت بكل مواقفها الجميلة، وبكل لحظاتها الحلوة التي لا يسع المقام لذكرها جميعًا. وقد شاء المولى القدير أن أكون هذا العام ضمن الفريق الإداري لحملة صهيب الرومي للحج والعمرة، حيث أدارت الحملة هذا العام، باقتدار، أكبر فوج للحجاج بعدة باقات، كان لها الأثر الكبير في نفوس الحجاج.
فكلمة شكر وتقدير وعرفان للشيخ صهيب شريف، على دوره الكبير في إدارة هذا الحشد الإيماني في موسم عظيم، وعلى ثقته واختياره لي لأكون ضمن هذه الكوكبة، وأواصل مسيرة تلك الرحلات الإيمانية الجميلة، التي قضيتها في خدمة ضيوف الرحمن. وهو شرف عظيم أن تكون خادمًا لضيوف الرحمن. فجزاه الله خيرًا، وبارك فيه، وفي الفريق الإداري المُخلص، الذي قام بواجبه على الوجه الأكمل، كلٌّ في موقعه؛ من أجل أن يكون العمل متقنًا وصادقًا في خدمة ضيوف الرحمن، والحرص على راحتهم، والتيسير عليهم في أداء مناسكهم، وتثقيفهم بخطوات حجهم.
تجربة جديدة مفعمة بالخير، يبقى فيها أثرك الذي قدمته بأسلوب تعاملك، وحسن معاشرتك لضيوف الرحمن، وفي إفادتهم في كل لحظة تسير معهم، وفي كل موطن توصل إليهم معلومة مفيدة، وتذكّرهم بالله تعالى.
تجربة متجددة، للتعرف على أناس بسطاء في تعاملهم، جاؤوا يرجون التغيير وغفران الذنوب، ولا همَّ لهم إلا أن يكونوا في طاعة الرحمن والقرب منه. تجربة كشفت عن عدد كبير من المخلصين من الفريق الإداري، الذين يقضون الساعات الطوال من أجل راحة ضيوف الرحمن، والحفاظ على سلامتهم. فهنيئًا لهم هذا الأجر.
ومع انتهاء هذا الموسم، فإن الاستعداد، بلا شك، سيستمر للموسم القادم، حيث يتطلب من الجميع، بدءًا من القائمين على نظام تسجيل الحجاج، وحملات الحج، تقييم الوضع، ومراجعة الأسلوب الإداري، والتقييم الداخلي المبني على عدة محاور أساسية، تختص بمستوى الخدمات، ومستوى التثقيف الشرعي، وأهمية اختيار الكفاءات الإدارية الفاعلة، وأسلوب التسجيل، وغيرها من الأمور التي تأتي في إطار مراجعة العمل، والتطلع إلى ما هو أفضل في خدمة الحجاج، وتقديم نظام متكامل دقيق لأداء المناسك.
الحاج اليوم، وإن اهتم بالخدمات، فهو في الوقت ذاته متعطش للتغذية الإيمانية، والتذكير بالله عز وجل، وتثقيفه بأمور دينه، ومناسك الحج على وجه الخصوص، وتدريبه وتعويده على أداء بعض المناسك الإيمانية التي يقوم بها في مجمل أيام حياته. إنها منظومة متكاملة لخدمة ضيوف الرحمن، ينبغي لجميع المعنيين الاهتمام بها، وتقديمها في إطار مُتقن، يضمن النجاح الفاعل، والتميّز في خدمة الحجاج.
ومضة أملاللهم ارزقنا الأثر القادم الأجمل، وتقبل منا عملنا، واكتب لنا الخير حيثما كان، ثم أرضنا به، وسخّر لنا كل خير نقوم به ابتغاء مرضاتك، واصرف عنا كل ما يضرنا، واجعلنا في أمنٍ وعافية.