محمد درويش
من اللافت أن استراتيجيات القائد الصيني سون تزو في كتابه فن الحرب، التي وُضعت قبل أكثر من 2500 عام، لاتزال تُطبق حتى اليوم. وقد ظهر ذلك بوضوح في حرب الاثني عشر يوماً، التي اندلعت في 13 يونيو 2025، بضربات جوية إسرائيلية استهدفت قيادات ومواقع عسكرية إيرانية، تلتها ضربة أمريكية دقيقة ضد منشآت تخصيب اليورانيوم، عُرفت باسم (مطرقة منتصف الليل).
في خضم هذا التصعيد، برزت إحدى نصائح سون تزو الشهيرة التي تقول: "لا تُضيق الخناق بشدة على العدو اليائس". فالخصم المحاصر بلا مخرج يصبح أكثر شراسة وفتكاً، بينما فتح منفذ له قد يؤدي إلى انسحابه أو استسلامه.
وقد بدا أن الإدارة الأمريكية، بقيادة ترامب، واعية تماماً لهذا المبدأ، إذ رافقت الضربة رسائل علنية عن الاستعداد للعودة للمفاوضات والتوصل إلى سلام دائم، بالإضافة إلى تأكيدات من ترامب نفسه عن غياب النية لإسقاط النظام. وكلها كانت تطمينات للإيرانيين بأن المجال متاح للحوار كي لا يفقدوا صوابهم.
وشهدنا أن الرد الإيراني جاء "مسرحياً"، وشمل إطلاق صواريخ على قاعدة "العديد" لم تصب أهدافاً، في ما بدا تنسيقاً غير معلن لحفظ ماء وجه النظام الإيراني أمام جمهوره في الداخل. وهنا نجد نصيحة سون تزو الأخرى حاضرة والتي يقول فيها: "حين تحاصر جيشاً، اترك له منفذاً". فالقوة الذكية، لا تُذل خصمها، لأن الإذلال يزرع بذور الانتقام. وقد نجح هذا "المخرج الرمزي" فعلاً في إعطاء النظام الإيراني فرصة لإعلان "الانتصار" وإن كان وهمياً وحفظ ماء الوجه وكذلك في تجنب حرب انتقامية تطول وتتعقد.
من جهة أخرى، رأت ندوة نظمها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن أن الضربة الأمريكية نجحت في تحييد قدرات إيران النووية، لكنها لم تفتح طريقاً للمفاوضات، في ظل تمسك كل طرف بموقفه، ومعارضة إسرائيل لأي حوار جديد.
في المحصلة، تبدو إيران الآن في أضعف حالاتها فهي تعاني من اقتصاد منهك، وجيش متهالك، وميليشيات تحتضر وحلفاء غائبين (روسيا والصين). لكن التجربة التاريخية تؤكد أن النظام الإيراني، رغم الضربات والأزمات، قادر على التعافي فقد خرج من حربه الطويلة مع العراق مرهقاً ومثخناً بالجراح، ثم عاد لاعباً محورياً في المنطقة في غضون سنوات قصيرة.
والدرس هنا أنه طالما الضربة الأخيرة لم تكن قاضية يصبح الاستهانة بطهران في لحظات ضعفها اعتقاداً ساذجاً، فالنظام فيها يبقى ثابتاً ومستمراً والأيديولوجيا المتطرفة حاضرة ومتأصلة، مما يعني أن طموحاتها في تصدير الثورة ورغباتها التوسعية موجودة لم تمت، لذلك وإن بدت في حالة تراجع الآن، قد تكون مجرد فترة وتعود إلى سابق عهدها.