خلال سفرتي الأخيرة إلى روسيا عايشت تجربة جديدة وقديمة في الوقت ذاته، وتعلمت منها دروساً في التخطيط المالي الذي ربما ننساه في الرحلات السياحية وإجازاتنا خارج البحرين حفظها الله برعايته وأمنه.فقبل السفر كنت على علم بضرورة الاحتفاظ بأموال نقدية بحوزتي؛ لأن البطاقات الائتمانية غير مفعلة؛ بسبب العقوبات الاقتصادية على روسيا، والتزمت بهذا الأمر، واحتفظت معي بالقدر الكافي من الكاش، ولكن أصابني هاجس خلال الفترة التي قضيتها هناك.. «كيف سأتصرف إذا ما انتهت نقودي، أو لا قدر الله ضاعت أو سرقت مني؟».وظل هذا الهاجس يرتحل معي في مدن وشوارع روسيا، رغم أنني حرصت دوماً على إعادة حساباتي في المصروفات والشراء، والتزمت بالصرف على الأولويات، رغم أنني أحمل ما يكفي من النقود لرحلة يمكن أن تزخر بكل وسائل الترفيه والرفاهية.هذه التجربة قد يمر بها كثيرون في بعض البلدان الغريبة على المسافر، وقد تختلف بين دولة وأخرى، وفق القوانين والتشريعات المطبقة فيها، فقد يجد البعض نفسه في دولة تتعامل بالنقد أكثر من البطاقات، ويواجه فيها صعوبة إيجاد مطاعم أو فنادق تتعامل بالدفع الإلكتروني، ولو أنها أصبحت أموراً نادرة اليوم مع مواصلة التطور في تكنولوجيا المال، إلا أن الكاش يبقى دائماً هو المرجع الرئيسي للتداول.ولم يمر وقت طويل على تجربتي الروسية، حتى برزت مشكلة في مصر بسبب الحريق المؤسف الذي أصاب سنترال رمسيس، والذي ضرب كافة العمليات البنكية والإلكترونية بقوة، اهتزت لها جميع المؤسسات سواء المالية أو حتى شركات الطيران التي عادت لحقبة كتابة البيانات على تذكرة الطائرة يدوياً، وشوهدت طوابير السيارات في محطات البترول يبحث أصحابها عن نقود كاش للدفع دون جدوى.ويقول أحد الأصدقاء الأعزاء من مصر إن جميع ماكينات الصراف الآلي تقريباً تعطلت في تلك الفترة، بالتزامن مع عطل تطبيقات التحويل الإلكتروني، وأصبح الشخص الذي لديه نقود كاش في جيبه، وكأنه قد حيزت له الدنيا في أم الدنيا.ولك أن تتخيل عزيزي القارئ لو أن هاتفك تعطل أو ضاع، فماذا ستفعل لاستعادة حياتك التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالشاشة الصغيرة التي تُسَيّر حياتك، لو أن تلك الشاشة انطفأت فجأة، وإلى أي مدى يمكن أن تتوقف حياتك إلى أن تستعيد بعضاً منها بإجراءات كثيرة ومتشعبة؟اليوم نرى البحرين كلها قد تحولت إلى المعاملات الإلكترونية في الدفع، ولا يوجد محل شاي كرك أو برادة ولا حتى الذي يغسل السيارة، إلا وعندهم تطبيق بنفت للدفع الإلكتروني، لكن في بعض الأوقات قد نجد أماكن وأفراداً يصرون على التعامل النقدي، ولا نستطيع إقناعهم بالتحرك خطوة إلى الأمام، وأظن أنهم على حق في بعض الأمور ويجب أن نحترم آراءهم، ونأخذ بنصحيتهم التي قالها لي أحدهم: احتفظي ببعض النقود الكاش في حقيبتك تحت بند الظروف الطارئة، فلربما تحدث مشكلة لا قدر الله، وتحتاجين لأموال فلا تجدينها.وللعلم عزيزي القارئ، فإن البنوك مازالت توفر النقود الكاش، وتضعها في خزائنها كأرصدة مادية، رغم اتباعها لأحدث التقنيات في المعاملات المصرفية، لأنهم يتبعون سياسات إدارة المخاطر ويحسبون حساب كل شيء.
تجربة العودة للكاش
نورا الفيحاني
نورا الفيحاني