في لحظة صمت، توقف فيها الزمن.. ودّعت البحرين رجلاً من رجالها، أحد أبناء هذا الوطن الذين لم يعرفوا يوماً إلا البذل والعطاء، ودّعنا الشيخ محمد بن عبدالله بن حمود بن صباح آل خليفة، الرجل الذي حمل في قلبه دفء الأب، وصدق الصديق، وهيبة الحكيم، وبساطة المحب.

لم يكن الشيخ محمد شخصية عابرة في المجتمع، بل كان ركناً من أركان الرفاع، وقلباً نابضاً من قلوب البحرين. كل من عرفه، عرف طيبته، وابتسامته التي لا تفارق وجهه، وتواضعه الذي يكسر كل الحواجز، ويجعل الكبير والصغير يشعر وكأنه بين أهله وناسه.

كان مجلس والده رحمه الله منارة مضيئة في تاريخ البحرين وتحديداً في الرفاع، وقد حمل الشيخ محمد رحمه الله، هذا الإرث بكل أمانة وإخلاص. لم يكن المجلس مجرّد تقليد، بل كان عهداً تربّى عليه، فحرص على أن يظل مجلس والده عامراً بالأوفياء، يحفظ وجوههم، ويتابع أحوالهم، ويجلس بينهم كما لو كان أحدهم. أصدقاء والده كانوا أمانة في عنقه، فكان يحرص على وجودهم، يسأل عنهم، كأنما يقول: "لم يرحل والدي بحضوركم".

ولم يكن الشيخ محمد يوماً بعيداً عن الناس. على العكس، سخّر نفسه لمن قصد بابه، وكان عوناً وسنداً لكل من احتاجه. بيته لم يُغلق في وجه أحد، وصوته لم يعلُ على أحد. بل كان مثالاً للرجل الذي يجمع بين الهيبة والمحبة، وبين الحكمة والبساطة.

وحين تنظر إلى أبنائه، ترى امتداداً حياً لقيمه ومبادئه. فقد ترك إرثاً من الرجال يسيرون بخُطى ثابتة على طريقه بإذن الله، يحملون ملامحه، وخُلقه، وروحه. وهذا هو الإرث الحقيقي: رجال يستمرون في حمل الرسالة، ويُكملون الدرب.

حجر الزاوية

إن شيوخ البحرين لم يكونوا يوماً في عزلة عن مجتمعهم، بل كانوا دوماً جزءاً حيّاً من نسيجه. لم يختبئوا خلف الألقاب، ولم ينعزلوا خلف المكاتب أو البروتوكولات، بل نزلوا إلى الناس، وجلسوا معهم، وتحدثوا بلغتهم، ومسحوا على قلوبهم بصدق الكلمة ودفء الحضور. كانوا حسّ المجتمع.. وضميره.. وصوته النقي الصادق. وكان الشيخ محمد بن عبدالله -رحمه الله- من أبرز من جسّد هذا القرب؛ بتواضعه، وابتسامته، ووفائه للناس ومجالسهم.

هيبته لم تكن في المنصب، بل في الأثر الذي تركه في القلوب، ومكانته لم تُبنَ على المسافة، بل على القرب والصدق. رحيله ليس فقط فقدان رجل.. بل وداع لحجر زاوية من قيم البحرين الأصيلة.

رحم الله الفقيد، وأسكنه فسيح جناته، وجعل من أبنائه وأهله خير خلف لخير سلف.

إنا لله وإنا إليه راجعون.