بالأمس، وصلنا خبر وفاة الطفلة فجر بنت حسن جناحي، عن عمرٍ لا يتجاوز خمس سنوات. ورغم أن البحرين تعوّدت على تلقي الأخبار عبر شاشات الهواتف، إلا أن بعض الأخبار لا تمرّ مرور الكرام. شعرت بأن روحي توقفت للحظة، وأن الزمن تباطأ، وكأن القلب يتساءل في دهشة، ثم يتأمل في حكمة الله في هذه الدنيا التي تجمع بين أحزانٍ متتابعة، وفرحٍ عابر كغمضة عين.

مددت يدي إلى هاتفي بعفوية ودون أن أنتبه، ربما كان نوعاً من الهروب أو بحثاً عن شيء يخفف وطأة هذا الخبر الأليم. وجدتني أسبح في بحرٍ من الذكريات عن أخي وصديقي حسن جناحي -رحمه الله-، الذي رحل قبل خمس سنوات في أنفاس رمضان الأخيرة، في قضاء الله وقدره. أخذت أسأل الهاتف، مستعيناً بذاكرة التكنولوجيا العميقة، وكأنني أستنجد بها لتمنحني شيئاً من حسن: ابتسامته، أو صوته البشوش حين يجيب على اتصال، أو ربما لفتةً عابرة من تلاوته الخاشعة التي لطالما أبكت من خلفه في الصلاة.

أخبرني الهاتف بعد دقائق بالكثير عن حسن، لكنه لم يخبرني عن إحساسي الذي يملأ قلبي في هذه اللحظة؛ إحساس الفقد الذي لا تُترجمه الكلمات ولا تفهمه برمجيات الذكاء الاصطناعي مهما تطورت. ذاك الشعور الإنساني البسيط الذي لم ولن تتمكن أي تقنية من محاكاته. عندها، تذكرت تغريدة لشخص من السعودية، لم يلتقِ حسن قط، كتب يوم وفاته: «ما الذي خبأته عند الله حتى يُفيض تويتر بالترحم عليك ممن عرفك ومن لم يعرفك!»؛ كلمات ترسخت في ذاكرتي وبقيت عالقة في قلبي إلى اليوم.

واليوم، مع رحيل ابنته الصغيرة فجر، التي جاءت إلى الدنيا ولم ترَ أباها، كما رحل هو دون أن يرى عينيها الجميلتين، أدركت أكثر أن الحياة قصيرة، وأننا نرحل ولا يبقى لنا إلا ما نقدمه من عمل صالح وخير ومحبة وإحسان في قلوب الناس.

هذه الأجهزة التي نحملها لم تعد مجرد شاشات مضيئة أو هواتف ذكية، بل صارت سجلًا لذاكرتنا الجماعية، تحفظ لنا أسماء من أحببنا، وصورهم، وأحاديثهم، وتحفظ لنا تلك اللحظات الإنسانية العابرة التي ربما نسيناها، لكنها تعود لتذكرنا بها بإذن الله حين تمس الحاجة. قد تُغلق عيوننا على صور أحبائنا وهم يغادرون هذه الدنيا، لكن التقنية تفتح لنا سجلًا واسعاً من تفاصيل حياتهم الطيبة، فنعود لنتذكرهم من جديد، وكأنهم لم يغادرونا أصلاً.

رحم الله فجر بنت أخي حسن جناحي، التي لحقت بأبيها بعد خمس سنوات من غيابه، وجعلها شفيعةً لأهلها، وربط على قلب أمها وصبّرها، وجمعها به في جنات النعيم. وتبقى ذكراك يا حسن حاضرة بيننا، تحفظها التقنية في سجلاتها، بعد أن كتبها الله في قلوب من أحبوك، ويبقى سؤال ذلك المغرّد حاضراً في قلبي دوماً: «ما الذي خبأته بينك وبين الله حتى أحبك الناس هكذا؟».

* خبير تقني