ندرك جيداً أهمية المؤسسات التعليمية في تعزيز القيم الإنسانية، فهي بمثابة القلاع المعرفية التي تقوم بدورها في عملية التنشئة الاجتماعية وتثقيف التلاميذ على مفهوم النزاهة، ومن هنا يأتي دور وزارة التربية والتعليم بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الإقليمية والدولية المعنية بقضايا الشفافية ومكافحة الفساد، لإدماج أخلاقيات التربية على ثقافة النزاهة في المناهج الدراسية، خصوصاً وأن الوزارة أعلنت مؤخراً عن خطة لتطوير المناهج الدراسية.
ربما كان من المناسب اقتراح آلية فعالة لإيجاد منهج ومقرر عملي للتربية على ثقافة النزاهة، بحيث يُدرسُ على مستوى المدارس الثانوية والجامعات، فتوعية التلاميذ بقيم النزاهة والشفافية وتدريبهم على ممارسته إنما في سياق تعزيز هذه القيم في نفوس الشباب باعتبارهم القوة المؤثرة والفاعلة في المجتمع.
لعل التجربة اليابانية خير برهان والتي تربط وزارة التعليم اليابانية، المعروفة باسم وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا (MEXT)، ارتباطاً وثيقاً بتعزيز ثقافة النزاهة من خلال دمج مبادئ مثل العمل الجماعي، والمثابرة، والجهد، وتحمل المسؤولية في نظامها التعليمي. هذه القيم تُعد ركائز أساسية في الثقافة اليابانية، وتشجع المناهج الدراسية على التركيز على الجد والاجتهاد بدلاً من مجرد الموهبة والذكاء، وتعزز الشعور بالمسؤولية والانتماء للمجموعة لدى التلاميذ.
ويرى كثير من الباحثين والتربويين أن التربية على ثقافة النزاهة ومكافحة الفساد إنما هي مسألة تعلّم لا تعليم؛ لأن النزاهة تبدأ منذ الصغر في البيت ومن ثم المدرسة والمجتمع، أخذاً باستراتيجية «التعلم الذاتيSelf- Learning» في سعي الطلبة لتنمية شخصياتهم بالاعتماد على أنفسهم، وهو ما يعزّز لديهم الثقة بالذات وإحداث التغيير الإيجابي في مواقفهم وسلوكياتهم في الحياة.
المقولة الشهيرة والمعروفة «التعليم في الصغر كالنقش على الحجر» تعني أن المعرفة والمهارات المكتسبة في مرحلة الطفولة المبكرة يسهل استيعابها، وتترسخ في العقل كأثر دائم، تماماً كالكتابة على الحجر التي تبقى ثابتة ولا تزول بسهولة، تشير هذه الحكمة العظيمة إلى أن الأطفال يمتلكون قدرة فائقة على التعلم السريع، والفضول الطبيعي لاستكشاف العالم من حولهم، مما يجعلهم أقدر على تشكيل أسس قوية لشخصياتهم وقدراتهم العقلية والاجتماعية التي تدوم مدى الحياة. ومن هنا نرى أن تعزيز مبدأ النزاهة يحتاج إلى تكاثف وتكافل جهود المجتمع ككل بدءاً من البيت مروراً بالمدرسة وصولاً إلى المجتمع فهي حلقات مترابطة، فالتلاميذ أكثر فئات المجتمع تأثراً بالنظام التربوي، ولأن مخرجات هذا النظام أكثر تأثيراً، في تنمية المجتمع ومستقبله، وذلك من خلال انعكاس ما يتعلمونه على تعاملهم مع قضاياهم وقضايا مجتمعهم ومن أجل الوُصولِ إلى تحقيق ذلك لابد من تضمين عدد من القيم المناهضة للفساد في المناهج التعليمية المختلفة، إضافةً إلى قيم المحافظة على المال العام من التلف والسرقة والاختلاس، ونبذ كل أشكال الفساد بما فيها المحسوبية والوساطة وإشاعة أهمية وضرورة التبليغ عن الفاسدين.
* متخصص في القانون الدولي العام والعلوم السياسية