هل هو جدل عقيم؟ أم أنه كاشف للنوايا؟ أم أنه كاشف لطبيعة التفكير ومستواه ذلك الذي يدور حول إسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى؟

الدعوة التي تحاول جماعات الإخوان المسلمين أينما وجدت حتى التي في البحرين ومعهم مقلدو الخامنئي، ويصطف معهم كذلك فلول يسارية، والتي تدعونا كدول خليجية كي نضع يدنا في يد إيران الآن للتصدي لإسرائيل، دعوة مشبوهة أو غبية إن حسنت النوايا، فإن رفضنا هذا العرض فنحن دول متصهينة ونحابي إسرائيل!!

المطلوب من الدول الخليجية تجاهل المشروع الإيراني والتركيز على المشروع الإسرائيلي، في حين أن المشروع الإيراني وصلت صواريخه للسعودية والإمارات، ووصلت متفجراتها للبحرين والكويت، إلا أن ذلك لا يعد مهماً فالأهم هو الصواريخ الإسرائيلية التي وصلت لغزة وسوريا ولبنان وإيران.

ليت المطلوب من الدول الخليجية كان مواجهة المشروعين الاستعماريين الإيراني والإسرائيلي معاً لكنا فهمنا واستوعبنا، وربما قبلناه كفكرة دعك إن كان قابلاً للتنفيذ أم لا، إنما مواجهة أي مشروع توسعي واجب إذا مس وطنك.

لكن المطلوب هو قبول المشروع الإيراني والترحيب به والرضا بما يترتب عليه وعدم الاعتراض عليه ولا التركيز على مخاطره ولا حتى ذكره، المطلوب الآن النظر إلى ما تفعله إسرائيل والسكوت عن ما تفعله إيران.

إسرائيل «بنت سبعين في ستين» انعتها بما شئت من النعوت واقدح بها كما تحب دولة منبوذة من العالم كله لا منا فقط، ترتكب أبشع الجرائم في التاريخ المعاصر تتجاوز ببشاعته ما تعرض له الشعب اليهودي، بل حتى يهود العالم يتبرؤون من إسرائيل الآن، وذلك كله نتفق عليه ولا نعترض على ذكره، إنما لا ولم ولن يعني ذلك أننا سننسى المشروع الاستيطاني الإيراني وصواريخه ومتفجراته، العجب العجب هو ما تدعوننا إليه لا ما نرفضه.

كيف مسحت «الدولة الوطنية» من ذاكرتكم وفكركم وهويتكم وثقافتكم بل حتى من مشاعركم؟

الدولة الوطنية لا تعني لكم شيئاً في وجدانكم، لا يهمكم ما يحدث في دولتكم، بل المهم هو ما يحدث في أمتكم حتى وإن كان على حساب دولتكم، فما دولتكم سوى فراغ أو فضاء تعيشون فيه مؤقتاً وربما تعدونه عائقاً أمام تجمعكم الأكبر تحت راية مرشدكم.

لذا البحرين لا تعني كثيراً مقابل غزة، فلنعلن الحرب على إسرائيل، ونرسل أبناءنا ونطلق صواريخنا، ونتلقى الرد لعيون حكام غزة، إنما ليس مقابل الضفة، لاحظوا الفرق، القصة ليست الفلسطينيين، بل القيادات الحمساوية، أياً كانت الاعتداءات على الضفة، فإنها لن تهم ولن يقفوا عندها، فحكمها ليس تابعاً لإيران، وليس تحت راية المرشدين، لن تكون هذه الفزعة للضفة إنما فقط للقطاع!

نعم.. ما يحدث لأهل غزة جريمة يندى لها الجبين ومؤلم ولكننا نساعد بقدر ما تسمح لنا الظروف ولن نجازف بأمن دولتنا من أجل أن نثبت أننا مسلمون أو عرب أو نثبت أننا نؤيد القضية الفلسطينية، أو نثبت أننا لسنا مع إسرائيل.

هذا الجدل العبثي الذي يصر عليه إخوان دول الخليج وبقايا فلول التيارات اليسارية والقومية والبعثية ووو على أننا يجب أن نحدد من الذي بدأ 7 أكتوبر، إسرائيل حين احتلت أو حماس حين فعلت فعلتها؟

فإن قلنا الاثنين فلا يرضون، وإن قلنا لحماس دور لا يقبلون، وإن قلنا كيف كان الفلسطينيون في غزة وكيف أصبحوا الآن بعد أن اختفت غزة بعد السابع من أكتوبر؟ لا يريدون الإجابة، من يدين حماس فإنه صهيوني، من يدين المشروع الإيراني فهو متصهين!

العالم كله يدين إسرائيل خاصة بوجود هذا المجنون المسمى نتنياهو وحكومته الوحشية تلك مسألة ليس بها نقاش، ولا يمكن أن تبرر جرائمها أياً كانت الذرائع والأسباب.

لكننا لن نقف ولن نؤيد ولن ننسى المشروع الإيراني ولا صواريخه ولا متفجراته التي مسنا ضرها بعد أن وصلت إلى عقر دارنا، ولن تنسينا جرائم إسرائيل الجرائم الإيرانية، حتى لو قصفت إسرائيل إيران -ونحن لا نتمنى ذلك- إنما يظل الأمر صراعاً بين مشروعي احتلال.

ومثلما لدى نتنياهو وجماعته «إسرائيل كبرى» حلم توراتي، لدى الفرس كذلك حلم فارسي «للإمبراطورية الفارسية الكبرى».