عندما نتحدث عن البحر في البحرين، فإننا لا نتحدث عن مجرد مورد طبيعي، بل عن ذاكرة وهوية وتاريخ. البحر كان وما زال مصدر رزق، وفضاءً للحياة، ومدرسةً للصبر والكدح. لكن مع مرور الزمن وتغير الظروف، باتت الثروة البحرية مهددة بالاستنزاف، وأصبح الصياد البحريني يجد نفسه غريباً في مهنته التي ورثها عن الآباء والأجداد.

اليوم، ومع دخول قرار “ترخيص الصياد البحريني” حيز التنفيذ، أشعر أن البحرين بدأت تكتب فصلًا جديداً في علاقة البحر بأهله.

أجمل ما في هذا القرار أنه يُعيد الاعتبار للصياد البحريني، ويضعه في قلب العملية. لم يعد اسمه يُستخدم كغطاء قانوني لممارسة الصيد بطرق غير مشروعة، ولم يعد حضوره شكلياً. اليوم، الترخيص أصبح شخصياً، مرتبطاً بالصياد نفسه، لا يقبل التنازل أو النقل. هذه خطوة تحمي المهنة من التلاعب، وتعيد قيمتها لصاحبها الحقيقي.

أحياناً كنا نسمع شكاوى من أن البحر لم يعد كما كان، وأن الأسماك أصبحت أقل، وأن الصيد لم يعد يغطي الجهد المبذول. والحقيقة أن السبب كان غياب التنظيم، وغياب الوعي بأن البحر لا يعطي بلا حدود. هذا القرار بحدود أعداد الصيادين والطاقم على كل سفينة ليس تضييقاً، بل هو حماية للمهنة من الانقراض. إنه تفكير في الغد، لا في المكاسب السريعة.

ما يعجبني أيضاً أن القرار لا يقتصر على مصلحة الصياد وحده، بل يخدم المجتمع كله. البحر مصدر غذاء، والأمن الغذائي تحدٍ عالمي لا يقل أهمية عن أي تحدٍ اقتصادي آخر. حين نحافظ على مواردنا البحرية، نحن نضمن لأبنائنا غداً أكثر أمناً وصحة.

لن أخفي أن القرار وحده لا يكفي، فالمعركة الحقيقية هي تغيير الثقافة. علينا أن نؤمن جميعاً بأن البحر شريك يجب احترامه، لا نهب يُستنزف. لكن ما يبعث على الأمل أن الدولة بدأت تخطو في الاتجاه الصحيح، وتفتح الباب لشراكة حقيقية مع الصيادين، لا مجرد فرض قوانين عليهم.

أرى أن “ترخيص الصياد البحريني” ليس مجرد ورقة تُستخرج عبر بوابة إلكترونية، بل هو رسالة واضحة: البحر للبحرينيين، والاستدامة قبل الاستنزاف، والمهنة إرث لا بد أن يستمر.قد تكون البداية صعبة على بعض الصيادين، لكنها البداية الصحيحة. فكما علمنا البحر أن نتحلى بالصبر، سيعلمنا أيضاً أن الثمار الحقيقية لا تأتي إلا مع الوقت.