هذا حال لسان شعوب بعض البلدان العربية.. في البلدان التي لا تهب فيها الأعاصير، لم تكن الرياح يوماً سبباً لضياع أحلامهم. فالرياح تمر، وقد تأخذ بعض الأوراق من على الطاولات، لكنها لا تبتلع المشاريع ولا تُلغي الرؤى. ما يقتل الأحلام في عالمنا العربي ليس العجز الطبيعي.. بل التخمة المؤسسية، وتراكم الملفات التي وُلدت كفكرة وتموت كمشروع.

في كل مؤتمر، يتم تقديم عروض التلميع، وخطط خمسية، وبرامج وطنية يتم تقديمها على أنها «نقلة نوعية». لكن الحقيقة في الشارع: البطالة تتكاثر، الاقتصاد يتراجع، الخدمات تتأخر، والأفكار تُوأد في أدراج المكاتب. ما بين إصدار التوصية واعتمادها، أجيال تمضي، ومواهب تهاجر، ومجتمعات تفقد إيمانها.

- بيروقراطية في زمن الرقمنة: في الوقت الذي تسير فيه الدول المتقدمة بخطى واثقة نحو الذكاء الاصطناعي، وإدارة البيانات، والحوكمة الرشيقة، لاتزال إدارات بعض الدول العربية تسأل: «وين الملف؟»، و«هل تمت مخاطبة الجهة المعنية؟».

هل يُعقل أن تُدار ملفات التوظيف والتخطيط والمشاريع الحيوية بذهنية الورق والطابور، بينما العالم يبني مستقبله على التعلّم الآلي وأنظمة اتخاذ القرار اللحظي؟

نعم، هناك من يعمل ويُخلص. ولكن إرادة التغيير تُخنق كل يوم داخل هيكل إداري يخشى المغامرة، ويُفضل إبقاء الوضع على ما هو عليه لأن في «الاستقرار الإداري» طمأنينة لمن لا يريد المساءلة.

هل يُعقل؟

هل يُعقل أن يظل شباب جامعيون في العشرينات ينتظرون أعواماً ليروا نتيجة طلبهم الوظيفي؟

هل يُعقل أن يبقى مشروع تنموي في الأدراج لأن «الخطة التشغيلية لم تُستكمل بعد»؟

هل يُعقل أن تبقى إصلاحات التعليم والاقتصاد رهن الاجتماعات الورقية، بينما التعليم نفسه ينتقل للعالم الرقمي خارج إرادتنا؟

في بعض الدول العربية، يبدو أن الحلم لا يُقتل بسيف، بل يُدفن بأوراق رسمية مختومة، مؤجلة، مؤرشفة.

- حجر الزاوية: العدالة في عصرنا لم تعد فقط عدالة قانون.. بل عدالة إنجاز.

والبيروقراطية ليست فقط تكراراً للإجراءات، بل اغتيالٌ ناعم للأمل.

شعوب بعض الدول العربية لا تُطالب بالمستحيل. بل تُطالب فقط بأن تكون «النية» التي كُتبت في خطابات الوعود، فعلاً هي حقيقية. أن تكون الأجندة الوطنية أكثر من ملف يُرفع في المناسبات، بل نبضاً يومياً في أداء المؤسسات.

لذلك تصرخ بعض المجتمعات العربية.. أحلامنا لم تسقط وسط الرياح، بل وقعت في أعمق أدراج إداراتكم.. وتسأل: متى تُفتح؟ ومتى يُحاسَب من أغلقها؟