من ذكريات الطفولة الجميلة، والتي لا يمكن أن تمحى من الذاكرة، كان يوم استلام الكتب المدرسية، حيث كنا نستمتع بتجليدها ووضع بعض الملصقات عليها، ومحاولة المحافظة عليها نظيفة حتى نهاية العام الدراسي.

وعلى مدى سنوات طويلة ولأجيال متعاقبة؛ شكّلت الكتب المدرسية المرجع الأول والوحيد للطلبة في مختلف مراحلهم الدراسية، مع بعض الاستثناءات هنا أو هناك لبعض المواد، والتي كانت تتطلب وجود «ملزمات»، يُعدّها أساتذة محترفون، تشرحها أو تحاول تبسيطها.

مناسبة حديثي هذا هو ما انتشر على بعض منصات التواصل الاجتماعي حول قيام بعض المدارس بإرسال رسائل تطالب الأهالي بالاستغناء عن الكتب المدرسية والاعتماد بشكل كامل على المذكرات، وهو ما أكده أيضاً أحد النواب السابقين، حيث قال إنه فوجئ بتحميل ابنته، وهي في الصف الخامس الابتدائي، سبع مذكرات دراسية، بعضها يصل إلى 120 و130 صفحة.

لا أريد في هذا المقام أن أسرد أهمية الكتاب المدرسي وما بذلك فيه من جهد خبراء ومختصين تربويين، ومراعاته للفروق بين الطلبة، وما يحققه لهم من معلومات وخبرات علمية وعملية، ولكني سأتحدث عن مسألة تربوية وثقافية أخرى متعلقة بأهمية الكتاب في حياة الأطفال، وأهمية المحافظة عليه كقيمة تربوية وثقافية، كانت ولاتزال، تمثل مستوى المجتمعات وثقافتها وتحضرها.

ولعلي أستحضر هنا قرار السويد الأخير الذي أعاد فرض استخدام الكتب الورقية بدل أجهزة الكمبيوتر في كافة المدارس، بعد نحو 15 عاماً من الاعتماد عليه، حيث أعلنت الحكومة السويدية تخصيص 104 ملايين يويو لإعادة الكتب المطبوعة إلى الفصول الدراسية، بعدما لاحظت تراجعاً في مهارات الطلاب الأساسية، مثل القراءة والكتابة، إلى جانب ما تركته الشاشات من آثار على التركيز والتفاعل الاجتماعي لدى الطلبة.

وبالعودة إلى موضوع الاعتماد على «المذكرات»، فإن على وزارة التربية والتعليم أن تتحقق من هذا الأمر، وتتخذ فيه الإجراء المناسب، حيث إن مستقبل الطلبة وتعليمهم لا يمكن أن يرتبط برغبة مدرس أو حتى مجموعة مدرسين قرروا في لحظة أنهم أكثر خبرة وعلم من كل اللجان في إدارة المناهج، فقرروا وضع «مذكراتهم» كبديل عن كل الكتب المعتمدة.

ولأن الشيء بالشيء يذكر؛ فلا بد لي أن أشير هنا إلى أن بعض تلك المذكرات هي اجتهادات شخصية من أصحاب المكتبات ومراكز التصوير، حيث يقومون بتنزيلها من على الإنترنت وطباعتها وإعادة بيعها للطلبة، إلى جانب «أبحاث» و«مشاريع»، سرعان ما يكون مصيرها أقرب إلى سلة مهملات بعد أن يتم اعتمادها كمشاريع للطلبة ويأخذون عليها الدرجات.

وأخيراً؛ فإن الكتاب المدرسي يمثل ذاكرة أجيال، وقيمة تربوية وثقافية لا يمكن التفريط بها تحت أي ذريعة. وإذا كان التطور يفرض علينا أن نستفيد من أدوات العصر، فإن ذلك لا يعني أن نستبدل الكتاب بالمذكرات، أو أن نختزل مسيرة التعليم في أوراق تجارية سريعة الزوال، فالمحافظة على الكتاب المدرسي تمثل محافظة على العقل والذاكرة المجتمعية، وتأسيساً لأجيال قادرة على مواجهة المستقبل بوعي ومعرفة، لا بحلول وقتية أو اجتهادات فردية.