لم يكن المنزل المستهدف في الدوحة مجرد موقع جغرافي، بل كان اختباراً دقيقاً لمفهوم «السيادة» في زمن التحالفات. العدوان الإسرائيلي الذي زعم استهداف عناصر من حركة «حماس» على الأراضي القطرية لم يُسفر عن اغتيال جسدي، لكنه حاول اغتيال ما هو أثمن: الاحترام الدولي، والتوازن الحرج بين الوساطة والسيادة. قطر، التي لعبت دوراً فريداً في الوساطات المعقّدة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، باتت اليوم ضحية فعل عدواني خارج إطار الشرعية، وخارج حتى سقف المشورة المعتادة مع واشنطن. وهنا تكمن المشكلة: لم يكن هناك تنسيق أمريكي قطري. بل الأسوأ، أن الدولة «الحليفة» أُبلغت بالأمر بعد وقوعه حسب ما ذكرت.
لكن ما الذي يدفع إسرائيل لمثل هذا التهور؟ البعض يراه انعكاساً لهشاشة المشهد السياسي الداخلي في تل أبيب، وسعياً محموماً من نتنياهو لإثبات الردع بعد الإخفاقات المتكررة في غزة. إلا أن هذه «الانزلاقات» لم تعد تُقرأ كحوادث فردية. إنها علامات مسجلة ضمن سجل حافل بإعادة تشكيل ميزان القوة في المنطقة، حيث التحالفات لم تعد تحصيناً، بل منصة إطلاق.
- خذلان مستمر لا استثناء: لست بحاجة إلى العودة بعيداً في التاريخ. شاه إيران، أقرب حلفاء واشنطن لعقود، تم التخلي عنه في أيام. حكومات أفغانستان سقطت تحت طائرات الانسحاب الأمريكي، وتُرك مترجمو الجيش الأمريكي لمصيرهم.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل دول الخليج مستعدة لأن تكون الصفحة التالية في كتاب «التحالفات المؤقتة»؟
هذه ليست مجرد مبالغة سياسية. العدوان على الدوحة تم في غياب التنسيق مع الإدارة الأمريكية. هذا يعني أن واشنطن إما كانت على علم ووافقت، أو لم تكن على علم وتجاهلت. وكلا الخيارين كارثي على منظومة الحلفاء في الخليج.
ماذا لو تكرر الأمر مرة أخرى مع إحدى دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى؟
الهجوم الإسرائيلي، وإن فشل في هدفه، نجح في أمر آخر: فتح بوابة جديدة لمشروعية العدوان خارج الحدود، وتحديداً على أراضٍ خليجية. وإن لم يكن هناك رد فعل خليجي عربي جماعي موحّد الآن، فمتى؟
- شرعية الأمن الجماعي تحت المجهر:
هل منظومة الأمن الخليجي مازالت صالحة؟
إن كنا لا نستطيع حتى الحصول على تحذير مسبق من «الحلفاء»، فبماذا نختلف عن الدول المُستَضعفة؟
لقد تم تسويق اتفاقات إبراهيم على أنها بداية مرحلة جديدة من التعاون الإقليمي. لكن الهجوم على دولة تلعب دور الوسيط يرسل إشارة معاكسة تماماً: حتى الوسيط قد يُستهدف، إن لم يُرضِ الرغبة السياسية في لحظة ما.
- حجر الزاوية:
المسألة لم تعد مرتبطة بالدوحة وحدها، بل بمفهوم السيادة المشروطة. اليوم منزل، وغداً قرار. وإذا بقيت ردود الأفعال خجولة، فإننا بصدد هندسة شرق أوسط جديد، لا عبر المؤتمرات، بل عبر الصواريخ الذكية.
آن أوان أن تُعيد دول الخليج تقييم تحالفاتها، من باب الواقعية الاستراتيجية. من لا يحترم سيادتك، لا يمكن أن يكون ضامناً لأمنك.
ومن يقصف أرضك لن يتردد في القصف دون حساب. ففي زمن الهندسة الجيوسياسية.. البقاء ليس للأقوى، بل للأوعى.