أصبح ضبط المحتوى في مواقع التواصل الاجتماعي أمراً لا مفر منه، سواء كان ما يُنشر على شكل إعلانات أو يوميات من قِبل المستخدمين. فالواقع اليوم يفرض وجود ضوابط واضحة ومحددة تضع الأسس التي يعرف من خلالها الجميع ما لهم وما عليهم، بحيث يسيرون وفق نهج منظم لا مجال فيه للفوضى.
في السنوات الأخيرة، برزت العديد من الحسابات التي تقدم محتوى لا يليق بالمجتمع، ولا يتماشى مع الذوق العام، محتوى يتضمن إساءات لفظية، أو استعراضاً مفرطاً للمال والممتلكات، أو حتى انتهاكاً لحقوق الأطفال من خلال تصويرهم دون وعي أو مراعاة. وفي كل مرة كانت المعالجة فردية ومحدودة، دون وجود إطار جامع يلزم الجميع.
بالأمس، خطت السعودية خطوة مهمة بإعلان الهيئة العامة لتنظيم الإعلام قائمة شاملة من الضوابط التي تستهدف ضبط المحتوى المتداول عبر المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي. وجاء الهدف واضحاً: تعزيز القيم المجتمعية وحماية الذوق العام.
أبرز الضوابط التنظيمية
من بين ما ورد في هذه القائمة:
- منع التنمّر والاستهزاء بالآخرين.
- منع نشر خصوصيات الأسر أو خلافاتها على أنها مادة إعلامية.
- منع تصوير الأطفال أو العمالة المنزلية سواء بصورة إيجابية أو سلبية.
- منع نشر المعلومات المضللة أو غير الصحيحة.
- منع استخدام لغة مبتذلة أو التباهي بالأموال، الممتلكات، أو الانتماءات القبلية والمناطقية.
- منع التنابز بالألقاب وإثارة القبلية أو الطائفية والعنصرية.
- منع أي محتوى يسيء إلى القيم الاجتماعية والوطنية.
وشملت القرارات جانب المظهر واللباس، حيث حظرت الهيئة ارتداء الملابس الكاشفة للجسد، أو الضيقة التي تُبرز تفاصيله، أو الشفافة المخالفة للآداب العامة.
هذه الضوابط ليست مجرد قوانين صارمة، بل هي في جوهرها محاولة لصناعة بيئة إعلامية أكثر التزاماً ومسؤولية. بيئة تحافظ على الذوق العام، وتحمي النسيج الاجتماعي، وتضمن أن يكون المحتوى أداة إيجابية تعكس الهوية الوطنية، بدلاً من أن يتحول إلى أداة لإثارة الجدل أو خدش الحياء أو نشر ثقافة التفاخر بما يملكه البعض من أموال وسيارات وعقارات.
لقد كان غياب هذه الضوابط سبباً في فوضى المحتوى، إذ اعتاد بعض المستخدمين تقديم يوميات تستعرض تفاصيل حياتهم بأسلوب يخدش الذوق العام، أو يخلق شعوراً بالاستياء لدى المتابعين من خلال التفاخر بالسفر الفاخر أو شراء الماركات باهظة الثمن، فضلاً عن استخدام العاملات المنزليات أو الأطفال كمادة للتسلية.
اليوم، مع صدور هذه القواعد الواضحة، لم يعد هناك مجال للعذر أو التبرير. الجميع أمام مسؤولية جماعية، والجهات المعنية بات لديها أساس واضح للمحاسبة والرصد. إنها خطوة تُحسب لصالح المجتمع، وتؤسس لمستقبل أكثر وعياً ورقياً في عالم الإعلام الرقمي.
اليوم، ونحن في البحرين، أيضاً في أمسّ الحاجة إلى مثل هذه الضوابط، فالمشهد الرقمي لدينا لا يختلف كثيراً عمّا هو في بقية دول المنطقة. الكثير من الممارسات اليومية في المنصات الاجتماعية باتت تمس الذوق العام، وتنتهك الخصوصية، وتقدم نماذج لا تليق بقيم المجتمع. إن وضع إطار تنظيمي واضح وملزم سيمنح الجميع قاعدة واحدة للالتزام بها، ويحول المحتوى الرقمي من ساحة عشوائية إلى مساحة أكثر وعياً ومسؤولية، تعكس الوجه الحضاري للبحرين وقيمها الراسخة.