تعاني بعض المؤسسات الخدماتية من صعوبات في تمويل تشغيلها كالجامعات والمستشفيات الخاصة، فإيراداتها لا تكفي للتشغيل، كدفع الرواتب ورسوم الكهرباء والماء وصيانة المباني وغيرها، وقد استوقفتني بعض التجارب في الدول المتقدمة، كونها تعتمد على الصناديق الوقفية لتمويل المؤسسة، فتودع في صناديق تابعة للجامعة مثلاً مبالغ موقوفة، فتستثمر هذه المبالغ بشرط الحفاظ على رأس المال وهي المبالغ الموجودة في الصندوق، وينفق ريع استثمار هذه الأموال على تشغيل الجامعة وتطويرها
ومن أشهر أمثلة هذه الجامعات، الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية، فنجد أن موازنات الصناديق الوقفية التابعة لها تبلغ مليارات الدولارات، ففي العام المالي 2023-2024 م، بلغت موازنة جامعة (هارفاد)، (51.98)، أما موازنة جامعة (تكساس)، فبلغت (47.46)، وبلغت موازنة جامعة (بيل)، (41.44)، وتعتبر إيرادات الاستثمارات هذه كافية لتشغيل وتطوير مختبرات ومرافق وتمويل البحث العلمي وغيرها من احتياجات الجامعات.
ونلاحظ من هذه التجربة أن الأموال الموقوفة هي عبارة عن نقود تودع في محفظة بنكية أو حساب بنكي تابع للجامعة، وهنا يطرح سؤال نفسه، ما حكم وقف النقود؟ فقد ورد في قرار مجمع الفقه الإسلامي في وقف النقود في 19 ديسمبر 2022م أنه يجوز وقف النقود حيث نص القرار على ما يلي:
- وقف النقود جائز شرعاً؛ لأن المقصد الشرعي من الوقف وهو حبس الأصل وتسبيل المنفعة متحققٌ فيها؛ ولأن النقود لا تتعين بالتعيين وإنما تقوم أبدالها مقامها.- يجوز وقف النقود للقرض الحسن، وللاستثمار إما بطريق مباشر، أو بمشاركة عدد من الواقفين في صندوق واحد، أو عن طريق إصدار أسهم نقدية وقفية تشجيعاً على الوقف وتحقيقاً للمشاركة الجماعية فيه.- استثمار المال النقدي الموقوف في أعيان؛ كأن يشتري الناظر به عقاراً أو يستصنع به مصنوعاً، فإن تلك الأصول والأعيان لا تكون وقفاً بعينها مكان النقد، بل يجوز بيعها لاستمرار الاستثمار، ويكون الوقف هو أصل المبلغ النقدي.
وتعتبر الصناديق الوقفية التابعة للجامعات والمخصصة لتمويل، من التجارب الناجحة على مر عشرات السنوات، ومن النماذج الأخرى المحافظ البنكية، فبعض المصارف تخصص محافظ لاستثمار الأوقاف النقدية الموقوفة، فيودع الواقفون في هذه المحافظ أموالاً نقدية، ويقوم البنك باستثمار هذه المبالغ، وإنفاق ريعها للموقوف عليهم الذي حدده كل واقف، فيسلم الواقف الأرباح ليوزعها على الموقوف عليهم، وقد يقرر الواقف تسليم هذه المبالغ لجمعية معينة لتصرف هذه المبالغ على المحتاجين.
إن وجود محافظ بنكية وقفية لها إيجابيات، فمنها أن يسهل على الناس وقف أموالهم حتى لو كانت مبالغ بسيطة تودع في هذه المحافظ لتكون وقفاً مشتركاً، كما يمكن أن يقرض البنك المحتاجين قرضاً حسناً بالاستعانة بالأموال الموقوفة في المحافظ، مما يجعل البنك يقدم خدمات إنسانية للمحتاجين، وإن كنت أرى أن هناك محاذير من هذه التجربة منها انخفاض قيمة العملات، أو تعرض البنك لخسائر أو اندماج مع بنك آخر، وعموماً فإن هناك تجارب إيجابية ناجحة في وقف النقود الموجودة في صناديق أو محافظ استمرت سنوات طويلة في الدول المتقدمة كوقف الجامعات التي ذكرناها.. ودمتم سالمين.