قضينا سبعة عشر عاماً من عمرنا على مقعد الدراسة، وخلال هذه السنوات تعاقب علينا العشرات من المعلمات لكل منها صفتها الخاصة بها فمنهن، البحرينيات، ومنهن العربيات ومنهن الأجنبيات، وتختلف كل واحدة منهن في أسلوبها في التعامل معنا فبعضهن عصبيات المزاج، ولا زلنا نذكر المعلمات المرنات السمحات في تعاملهن معنا، والمجتهدات المخلصات، ولا زلنا نذكر تلك المعلمات اللاتي يؤدين الحد الأدنى من المطلوب بكل تذمر وتأفف، فتذمر منهن، وربما تمردنا على التتلمذ على أيديهن، وتبقى في ذاكرتنا نخبة من المعلمات اللاتي يؤمن برسالة التعليم وأهمية دورهن في تربية الأجيال، فنحرص على التتلمذ على أيديهن مدى الحياة. وتمضي الأيام والسنون لنصل في مشوار حياتنا للحياة المهنية، وتشغلنا أعباء حياتنا الاجتماعية، وفي زحمة المسؤوليات تتساقط من ذاكرتنا العديد من المعلمات، ولا يبقى منهن في ذاكرتنا إلا القليل، فتوجيهاتهن ومواقفهن التربوية تحي قلوبنا، وتنير دروبنا وتكون جزءاً من تكويننا.
ومن المعلمات اللاتي أنارت لنا الطريق المربية الفاضلة صديقة بنت محمد عبيد، تلك المعلمة التي كنت أرنو إليها وأنا على مقعد الدراسة في المرحلة الثانوية كما أرنو للجبل الشامخ، فشموخاً يكمن في صدقها ودقتها في الالتزام بالمبادئ والقيم التي اكتسبناها منها، شموخها يكمن في حكمتها وأسلوبها في توجيه النصائح لنا، وفي رجاحة رأيها فكم قدمت لنا المشورة السديدة، وكم قومت من سلوكنا، لتظل أمامنا شامخة بعطائها. ونظل نطلب منها هذا العطاء ما حيينا.
تخرجت وشغلت بالدراسة الجامعية، وبدأ مشوار حياتي المهنية، إلا أن بصمات تلك المربية ظلت ترسم شخصيتي، وكلما حزب بي أمر تذكرتها وتمنيت قربها مني لأسترشد برأيها واستعين بحكمتها، بحثت عنها حتى توصلت لها، لأكون تلميذة لها مدى الحياة، وعندما رشحت لأكون مديرة مساعدة اتصلت بها وكانت هي حينها مديرة مدرسة، فرجوتها أن تقبلني مديرة مساعدة في المدرسة التي تعمل بها لأتعلم منها أسس العمل الإداري، وتحديداً الإدارة المدرسية، لأظل تلميذتها النجيبة في مرحلة جديدة من مراحل حياتي المهنية، وما أروع الدروس التي تعلمتها منها في العمل الإداري، كان أهمها أن نربط العمل الإداري بالتعامل الإنساني مع المرؤوسين، واصلت دربي في الحياة، وحرصت خلال مسيرتي هذه أن أتعلم منها وأنتقع من خبرتها.
هي مربية ومعلمة في جميع مراحل حياتها، فبالرغم من أنها تقلدت مناصب إدارية مرموقة في وزارة التربية وتحديداً في إدارة التدريب، ظلت هي المربية والمعلمة للأجيال، فالتربية بالنسبة لها رسالة آمنت بها والتزمت بها مدى الحياة. فهي قدوة لكل معلم ومعلمة وهي نموذج للمربي الصادق في عمله تستنير بنهجها الأجيال، نعم هي تصدق المشورة وتصدق النصيحة، حتى بات الصدق في العطاء سمتها وهنا تذكرت أن لكل امرئ نصيب من اسمه فاسمها صديقة، وهي كذلك في عطائها فكل عام وأنت معلمتنا، وكل عام ونحن تلميذاتك المخلصات، فنسأل الله أن يمد في عمرك وينفع بك الأجيال.. ودمتِ يا معلمتي سالمة.