«نحب الحياة ونستحقها..»، كانت آخر رسالة صوتية عبر منصات التواصل الاجتماعي، أطلقها صالح الجعفراوي، بعد إعلان وقف إطلاق النار حين قال «بدكم مليون سنة حتى تكسروا إرادة الشعب الفلسطيني، ومش رح تكسروها، احنا شعب بنحب الحياة ونستحقها». وإن أخمدت يد الغدر صوته، بعد أن عجزت صواريخ العدوان عن ذلك طيلة سنتين، فإن رسالته عن الإخماد عصية، وباقية في صوت غزّة الأبية.

الصحفي والناشط الفلسطيني الشاب، صالح الجعفراوي الذي يبلغ من العمر 27 عاماً فقط، هو أحد أبطال الكلمة ونقل الحقيقة الحية طيلة العدوان على غزة الأبية، حيث يقدّر عدد الصحفيين الذين أجهز عليهم الجيش الإسرائيلي في غزة، حسب تقرير لجنة حماية الصحفيين (CPJ)، 197 صحفياً فلسطينياً، دفعوا حياتهم ثمناً للكشف عن وقائع الحرب.

فقد انتشرت مقاطع الجعفراوي الميدانية على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال فترة حرب غزة، ولم تقتصر على البث المباشر لمأساة ومعاناة شعبه، بل شملت أيضاً مقاطع مواساة الصحفي الإنسان، والمواطن الصالح، أثناء أداء تغطيته الإعلامية، لأفراد موطنه من المسنين والأطفال والثكالى والأرامل والأمهات، حيث حققت فيديوهات له، رواجاً، وهو يؤازرهم بالكلمة، ويذكّرهم بقول ربهم بأن النصر للصابرين والصامدين لآت، ويمازحهم مدخلاً عليهم الابتسامة ليبدّد ألم الفَقد للأبناء والأهل والرفقات.

وكما تصدّر الصحفي الفلسطيني الشاب، صالح الجعفراوي وسائل التواصل الاجتماعي خلال مسيرة عطائه، فقد تصدّرها أيضاً بعد ارتقائه على إثر اغتياله، ولم يهنأ بعد بطعم الأمان الذي ناضل من أجله، ليسطِّر بعداً وطنياً بطولياً بامتياز في «التريندات»، ويستحدث فيها منهاجاً سامياً بين جيله من الشباب، ليَكن قدوة تُحيدُ عن منحدر «الفاشنات» والتَّفهات، وللعلُوِّ بالذّود عن الوطن والتّقيد بسُمو الأخلاق.

وقد وثّق ذلك، ليس فقط بكلماته وفيديوهاته وأفعاله، بل أردف عليه بما سطّره في وثيقة وصيّته قائلاً «يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهد وقوة، لأكون سنداً وصوتاً لأبناء شعبي، عشتُ الألم والقهر بكل تفاصيله، وذُقت الوجع وفقد الأحبة مراراً، ورغم ذلك لم أتوانَ يوماً عن نقل الحقيقة كما هي..».

لقد نجا الجعفراوي من حرب مدمّرة استمرت لعامين، واغتيل بعد بضع أيام فقط من وقف إطلاق النار، لكن ستظل صوره المفعمة بالحياة، حَيّة، في ذاكرة كلمته، وذاكرة وطنه، الذي لم يفتر عن إعلاء صوته، ونقل صورته بعدسته، كما سيبقى للأجيال أسوة بسيرته.