بعد عقدين من الانتظار، يسدل الستار أخيراً على مرحلة امتدت لنحو 23 عاماً من العمل بالقانون الحالي المنظّم للصحافة والنشر الصادر في عام 2002، ليولد من رحم النقاشات الطويلة والمراجعات المتأنية قانون الصحافة والإعلام الإلكتروني الجديد، الذي أقرّه مجلس الشورى بالإجماع في جلسة خُصصت بالكامل لمناقشة هذا المشروع الحيوي.
كان مشهد التصويت بالإجماع (37 صوتاً) أشبه بلحظة توافق وطني على أهمية تحديث الإطار التشريعي للإعلام البحريني، بما يواكب التحولات الرقمية ويصون في الوقت ذاته الحرية المسؤولة التي تقوم عليها مهنة الصحافة.
لقد طال الانتظار، لكن الوصول جاء في توقيت دقيق يعكس نضج التجربة الإعلامية البحرينية واستعدادها لمرحلة جديدة عنوانها «القانون في خدمة الحرية».
حرية الرأي ليست شعاراً يرفع، بل ممارسة واعية ومسؤولة تحاط بضمانات تشريعية تحميها من التعسف دون أن تطلق العنان للفوضى الإعلامية.
القانون الجديد يعد بحق تشريعاً شاملاً، لا يقتصر على الصحافة الورقية، بل يمتد إلى تنظيم الإعلام الإلكتروني الذي أصبح اليوم المنصة الأوسع تأثيراً في الرأي العام.
ومع تطور التكنولوجيا واتساع فضاء النشر، كان لابد من إطار قانوني يحدد المسؤولية، وينظم العلاقة بين حرية التعبير وحماية المجتمع من الانتهاكات الرقمية.
أما النقطة المفصلية في هذا القانون، فهي إلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر، والاكتفاء بعقوبة الغرامة، وهي خطوة تؤكد أن البحرين اختارت حماية الكلمة لا تقييدها، وإصلاح المنظومة القانونية بما يحفظ كرامة الصحفي، ويعزز ثقة المجتمع بالإعلام.
وفي الوقت ذاته، لا يغفل القانون مسؤولية الصحفي عن تجاوز حدود الرأي المشروع، إذ تبقى الأفعال التي تمسّ النظام العام أو الحقوق غير الخاضعة لأحكام قانون العقوبات، بما يضمن التوازن بين الحرية والانضباط.
اليوم يمكن القول إن البحرين خطت خطوة واثقة نحو تحديث بيئتها الإعلامية، في ظل رؤيةٍ إصلاحية تؤمن بأن الصحافة الحرة الواعية شريك في التنمية، وليست مجرد ناقلٍ للأحداث.
ويبقى التحدي المقبل في التطبيق العملي لهذا القانون، وفي قدرة المؤسسات الإعلامية والصحفيين على استثمار مكتسباته بمسؤولية، ليبقى الإعلام البحريني نموذجاً في المهنية والانفتاح، وحارساً لنبض الوطن وهويته.