مثل تجاوز قانون الصحافة والإعلام الجديد عتبة مجلس الشورى بالإجماع، ثم مصادقة جلالة الملك المعظم على القانون، حدثاً بالغ الأهمية في الشارع البحرين، خصوصاً منتسبي القطاع، حيث أعاد رسم ملامح المشهد الإعلامي على نحوٍ أكثر نضجاً واتساعاً، فالقانون الذي طال انتظاره، يحمل في جوهره فلسفة جديدة للحرية؛ حرية لا تنفلت من المسؤولية، ولا تقيد بالإكراه، بل تنطلق من إيمان راسخ بأن الكلمة الصادقة هي أساس بناء الأوطان.

القانون الجديد طوى صفحة من العقوبات السالبة للحرية بحق الصحفيين، في خطوة تعكس ثقة الدولة والسلطة التشريعية في وعي الكلمة وقدرة الصحفي على ممارسة دوره والقيام بواجباته دون خوف أو تردد، حيث تمثل هذه الخطوة رسالة سياسية وأخلاقية إلى العالم، بأن الصحافة الوطنية ليست خصماً للدولة، بل شريكاً في نهضتها ومرآة تعكس نبض الناس وتطلعاتهم.

كما أن تنظيم الإعلام الإلكتروني جاء كضرورة فرضها واقع العصر الرقمي، حيث تجاوزت الكلمة الحدود إلى فضاءات مفتوحة تتشكل فيها الآراء وتتكون عندها الاتجاهات، لتدخل البحرين مرحلة جديدة من الإدارة الواعية للمحتوى الرقمي، دون أن تقصي الحرية، أو تكمم الأفواه، بل تمنح المهنة إطاراً يحميها من الفوضى، ويصون ثقة الجمهور في مصداقيتها.

شخصياً أرى أن أجمل ما في هذا القانون أنه لا ينفصل عن الرؤية الملكية الحكيمة، التي جعلت من حرية الرأي والفكر والإعلام ركائز ثابتة في مشروع الإصلاح الوطني. فجلالة الملك المعظم دائم التأكيد على أن الكلمة المسؤولة ليست جريمة، وأن الصحافة ليست ساحة خصومة، بل فضاء للتنوير والمساءلة البناءة، لذلك جاء القانون امتداداً طبيعياً لفكر ملكي مؤمن بأن الكلمة الحرة هي رأس مال المجتمع المتحضر، وأن الصحفيين صناع للوعي ومشاركون في صياغة المستقبل.

إن ما تحقق اليوم لا يقاس بعدد المواد القانونية، بل بما تحمله من دلالات حضارية، فإلغاء حبس الصحفيين لا يعني فقط حماية المهنة، بل هو إعلان واضح بأن البحرين تمضي بثقة في طريق الدولة المدنية الحديثة، التي توازن بين الحرية والمسؤولية، وبين النقد والبناء، وبين الإعلام والمجتمع.

ومع كل هذا، تظل مسؤولية الصحفي أكبر من أي وقت مضى، فالقانون الجديد لا يمنحه فقط مساحةً أوسع للكتابة، بل يضع بين يديه أمانة الكلمة الحرة، التي يجب أن تستخدم في خدمة الحقيقة والوطن.

البحرين اليوم، ومع التصديق الملكي على القانون، تعيش مرحلة جديدة تكتب فيها العلاقة بين الصحافة والدولة بلغة الشراكة والثقة، وتتقدم بخطوة واسعة في سجلها الحقوقي، لتؤكد أن حرية التعبير ثقافة دولة آمنت بأن نهضة الشعوب تبدأ من حرية التفكير والكلمة.