في لحظةٍ استثنائية من عمر الوطن، ارتقى صوت الإرادة الملكية السامية ليُعلن ميلاد عهدٍ إعلامي جديد في البحرين، بتصديق حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم حفظه الله ورعاه على قانون الصحافة والإعلام الإلكتروني رقم (41) لسنة 2025، ليُسطّر بذلك صفحةً جديدة في مسيرة الإصلاح الوطني، تُجسّد رؤية جلالته الثاقبة نحو ترسيخ حرية الرأي والتعبير المسؤولة ومواكبة التحولات الرقمية العالمية، لم تكن المصادقة الملكية مجرد إجراءٍ تشريعي، بل إعلاناً يُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والكلمة، ويجعل من الإعلام شريكاً في البناء لا خصماً للسلطة، ومن القلم وسيلةً للوعي لا أداةً للصراع.

لقد جاء في الرسالة الملكية السامية «إن هذا القانون يأتي تأكيداً على نهج البحرين الثابت في دعم حرية الرأي والتعبير المسؤولة، ومواكبة التطور الرقمي العالمي، وترسيخ القيم الوطنية في الفضاء الإعلامي الجديد»، كلماتٌ تختصر رؤية جلالته العميقة في الحكم والإصلاح، وتُجسّد المعادلة التي تقوم عليها فلسفة المشروع الإصلاحي: حريةٌ تصون كرامة الإنسان دون أن تُخلّ بنظام الدولة، وإصلاحٌ ينهض على الثقة بالعقل لا الخوف منه.

القانون الجديد، الذي ألغى عقوبة الحبس في جميع النصوص العقابية، واكتفى بالغرامة، لم يكن تعديلاً في نصٍ قانوني جامد، بل تحوّلاً في جوهر التشريع ذاته، إذ وضع حداً فاصلاً بين مرحلةٍ كانت فيها حرية الصحافة محكومة بقيودٍ تقليدية، ومرحلةٍ جديدة تُكرّس الإيمان بأن الكلمة الحرة المسؤولة هي ضمانة الاستقرار لا مصدر تهديده، وبهذه الخطوة الجريئة، وضعت البحرين نفسها ضمن الصفوف الأولى للدول التي توازن بين صون الحريات العامة وحماية كرامة المهنة، لتؤكد أن الديمقراطية ليست ترفاً بل ركيزة من ركائز الدولة الحديثة.

إن مصادقة جلالة الملك المعظم على هذا القانون تمثل تتويجاً لمسارٍ تشريعي شارك فيه مجلسا الشورى والنواب بروحٍ وطنية مسؤولة، ليخرج القانون في صورته النهائية كتعبيرٍ صادق عن توافق الإرادة الشعبية والسياسية على ترسيخ دولة القانون والحرية، وقد أضفى جلالته بتوقيعه بُعداً سامياً يُجسّد أن حرية الصحافة لا تُبنى بالعقوبات، بل بالثقة، ولا تُصان بالشعارات، بل بالتشريعات التي تحميها وتُقنّنها.

وفي هذا القانون، اعترفت البحرين رسمياً بالإعلام الإلكتروني كجزءٍ أصيل من المنظومة الإعلامية الوطنية، في خطوةٍ تُعبّر عن وعيٍ مبكّر بضرورة تنظيم الفضاء الرقمي المتنامي، ليصبح إطاراً قانونياً شاملاً يحتضن الإعلام التقليدي والحديث معاً، ويمنح الأجيال الجديدة من الإعلاميين مساحةً للإبداع في بيئةٍ قانونية عادلة وواضحة.

منذ بزوغ المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم، ظلّ الإعلام في قلب الرؤية الوطنية: لا تابعاً ولا خصماً، بل ضميراً ومرآةً تُعبّر عن وجدان الشعب وتُجسّد نبض الدولة، ومن ميثاق العمل الوطني إلى هذا القانون المتجدد، بقي جلالته على ثبات المبدأ ذاته: لا إصلاح بلا حرية، ولا حرية بلا مسؤولية، وهكذا تتجدد العلاقة بين الصحافة والسلطة، لا على قاعدة المواجهة، بل على قاعدة الشراكة في خدمة الحقيقة والمصلحة العامة.

حين وضع جلالة الملك المعظم توقيعه على هذا القانون، لم يكن يوقّع على نصٍ تشريعي فحسب، بل على عقدٍ جديد بين الدولة والمجتمع، بين الحاكم والضمير، بين الحرية والانضباط. هو توقيع يكرّس الإيمان بأن البحرين لا تشرّع فقط للأنظمة، بل للحكمة والعدالة والكرامة الإنسانية، فبهذا المرسوم، تُستعاد روح الصحافة الأولى، وتُصان الكلمة بوصفها نبض وطنٍ وعقل أمةٍ وصوت حقٍّ لا يخبو، ليبقى الإعلام البحريني شاهداً على أن الإصلاح في عهد حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم واقعاً يُبنى.. كلمةً بكلمة، وقانوناً بحكمة.

* إعلامية وباحثة أكاديمية