في خضمّ الأحداث اليومية المتسارعة وازدحام غرف الأخبار، قد تمر بعض التطورات مروراً سريعاً رغم أهميتها وانعكاسها الإيجابي على صورة المملكة في الخارج، خصوصاً في مجالات حقوق الإنسان.

ومن بين هذه التطورات، مشاركة الأمانة العامة للتظلمات في جلسات مناقشة التقرير الدوري الرابع للمملكة أمام لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة في جنيف، والتي عرضت جهودها المستمرة في ترسيخ العدالة والشفافية ومحاسبة التجاوزات، بما يعكس تطور التجربة البحرينية في هذا المجال.

هذه المشاركة تمثل محطة مهمة في مسار حقوق الإنسان بالبحرين، حيث يظهر جلياً بناء مؤسسات رقابية مستقلة، وتعزيز ثقافة المحاسبة، وضمان متابعة أي ادعاء بسوء المعاملة، وبالتأكيد فإن هذا التطور لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة إرادة سياسية حقيقية تولي اهتماماً بصون كرامة الإنسان وتوفير بيئة عدالة متكاملة تمنح الجميع حقوقاً متساوية.

العرض الذي قدمته السيدة غادة حميد حبيب، الأمين العام للتظلمات، لخصَّ سنوات من العمل القائم على المهنية والشفافية، وتطوير أساليب التحقيق واستقبال الشكاوى، وتعزيز الرقابة على مراكز الإصلاح والتوقيف.

كما ساهمت هذه الجهود في بناء ثقة لدى الجمهور، وهي ثقة تتجسّد في ممارسات واقعية يشعر بها المواطن ويُثني عليها المراقبون الدوليون.

عندما أشادت لجنة مناهضة التعذيب بخطوة البحرين بإنشاء شعبة للنظر في شكاوى الأطفال داخل مراكز الإصلاح عام 2024، كان ذلك مؤشراً على نضج التجربة، حيث تتجه المنظومة لإغلاق أي فجوة والعمل بأساليب أكثر عدلاً وإنسانية مع الفئات الأكثر حساسية، متجاوزة مجرد الامتثال لتوصيات دولية، لتعكس رغبة حقيقية في تحسين بيئة العدالة وتصحيح أي قصور.

كما أصبح حضور الأمانة في المحافل الدولية ليس مجرد مشاركة، بل مشاركة بمحتوى وخبرة، حيث تقدم التجربة البحرينية كنموذج يستفاد منه، في ظل انفتاح على تبادل الخبرات مع الهيئات النظيرة، مما يعزز مكانة المملكة دولياً ويُبرز مرونتها وقدرتها على تطوير أدواتها.

كل هذه التطورات تؤكد أن المملكة تمضي في طريق إصلاحي متدرّج وثابت، ملتزمة بتطوير منظومة العدالة أمام العالم وأمام مواطنيها، مع وضع الإنسان والكرامة الإنسانية في صميم العملية الإصلاحية، وبناء مستقبل أكثر عدلاً واستقراراً.

البحرين اليوم، عبر الأمانة العامة للتظلمات وبقية المؤسسات الحقوقية، تقدّم نموذجاً يعكس هذا المسار بثقة وهدوء، وتجعل من تجربتها خطوة أخرى نحو نظام عدالة يحترم الفرد، ويصون كرامته، ويرسّخ دولة القانون التي لا تميّز بين أحد.