أتذكر جيداً كيف كنا، ونحن صغار، ننتظر هذه الأيام بشغف؛ لم نكن نفهم السياسة ولا نعرف معنى الدستور، لكننا كنا نشعر بفرح البحرين، نراها في الأعلام التي ترفرف، وفي الوجوه التي تبتسم، وفي البيوت التي تتزين، كان الوطن لدينا فكرة بسيطة، لكنه عميق بما يكفي ليزرع فينا معنى الانتماء.

واليوم؛ ومع احتفالات البحرين بأعيادها الوطنية، وذكرى جلوس جلالة الملك المعظم، ويوم الشهيد، فإننا نحتفل بمسيرة وطن كان الإنسان في صدارة أولوياته؛ يحفظ كرامته، ويصون حقوقه، ويمنحه مساحة للانتماء الحقيقي، فالبحرين، عبر مسيرتها الحديثة، لم تبنِ مؤسسات فحسب، بل بنت علاقة متينة بين الدولة والمجتمع، قوامها الثقة، وتعزيز المواطنة، والإيمان بأن الاستقرار لا يتحقق إلا بعدالة، ولا يستدام إلا بشراكة.

فذكرى جلوس حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، حفظه الله ورعاه، تمثل لحظة تأمل في مشروع وطني متكامل، أعاد الحياة الدستورية، ورسخ مبدأ سيادة القانون، وفتح الأبواب أمام المشاركة السياسية، والحوار، والتنوع، مشروع إصلاحي آمن بأن الوطن يتسع للجميع، وأن الاختلاف ليس خطراً، بل مصدر قوة إذا ما أحسن إدارته.

أما يوم الشهيد، فهو اليوم الذي تنحني فيه الكلمات احتراماً، ويعلو فيه الصمت إجلالاً، يوم نقرأ فيه الوطن بعيون من قدموا أرواحهم دفاعاً عنه، ليبقى آمناً، مستقراً، مرفوع الرأس. شهداء البحرين لم يكونوا أرقاماً في سجل التاريخ، بل وجوهاً وقصصاً وأحلاماً، اختاروا أن تكون الكرامة الوطنية أغلى من الحياة نفسها، لذلك فمن حقهم علينا أن لا يكون الوفاء لهم لحظة عاطفية، بل التزامًا دائمًا بحماية الوطن، وتعزيز وحدته، وصون منجزاته.

ما حققته البحرين من إنجازات خلال السنوات الماضية، في مجالات التعليم والصحة والإسكان وتمكين المرأة والشباب، وفي تعزيز الحقوق والحريات ضمن الأطر الدستورية والقانونية، لم يكن صدفة، بل ثمرة رؤية واضحة، وقيادة اختارت طريق البناء الهادئ، والعمل التراكمي، بعيداً عن الشعارات الزائفة والاندفاع غير المحسوب.

في الأعياد الوطنية، نرفع الأعلام، لكن الأهم أن نرفع الإحساس بالمسؤولية، وأن ندرك أن الولاء لا يقاس بالكلمات بل بالفعل، وبالحرص على وحدة المجتمع، واحترام القانون، والعمل بإخلاص في كل موقع، فالوطن لا يحيا إلا بسواعد أبنائه، وبوعيهم، وبقدرتهم على تحويل الاختلاف إلى تنوع، والتحديات إلى فرص. تظل البحرين، في أعيادها الوطنية، حالة وجدانية خاصة... وطناً يفرح أبناؤه، ويستحق منهم أن يفرحوا به، وأن يحموه، وأن يواصلوا مسيرته بثقة، واعتزاز، وإيمان راسخ بأن ما يجمعنا أكبر بكثير مما قد يفرقنا.

إضاءة

أجمل آيات التهاني والتبريكات مرفوعة إلى رمز البحرين وسيدها، جلالة الملك المعظم، وإلى صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وإلى أبناء البحرين الأوفياء، وكل عام ووطننا وقيادتنا بألف ألف خير.