قد تعمّق وتعملق، تغلغل وتضخّم، انغمس وانتشر، ذاك هو الذكاء الاصطناعي، حيث اخترق جميع قطاعات الأعمال، وبلغ الأنشطة البحثية، واندمج مع الاكتشافات العلمية، وتوغّل في حياتنا اليومية وبات جزءاً منها، بل غدا مرتكزاً للمنافسة العالمية المتنامية في تطوير نماذجه، إلا أنه من جانب آخر أبرز التحديات المتعلقة بالأخلاقيات والحوكمة والاستدامة، والتي لابد من معالجتها ووضع الضوابط بشأنها خاصة مع تعاظم أهمية الذكاء الاصطناعي في حياتنا. وقد تتبّع معهد ستانفورد للذكاء الاصطناعي (HAI) نمو الذكاء الاصطناعي وتوغّله وتحدياته وبيّن نتائجه في تقرير عام 2025.
اعتماد التطبيقات على نطاق واسع
لم يعد الذكاء الاصطناعي يقتصر على مختبرات الأبحاث إنما انغمس في أوجه الحياة اليومية بتقنيات تشمل عدة قطاعات، مثل الاستخدام الواسع النطاق للأجهزة الطبية، فمثلاً قد وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على 223 جهازاً طبياً مُدعّماً بالذكاء الاصطناعي في عام 2023. كما تزايد استخدام المركبات ذاتية القيادة، حيث تُسجّل Waymo أكثر من 150,000 رحلة بدون سائق أسبوعياً في الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تجوب مركبات Apollo Go التابعة لشركة Baidu مُدنٍ مُتعددة في الصين لتقدم خدماتها بأسعارٍ تنافسية.
للذكاء الاصطناعي تأثير متزايد على الاقتصاد، فالشركات تضع استثمارات كبيرة في الذكاء الاصطناعي لرفع كفاءتها وزيادة أرباحها. ففي عام 2024، استثمرت الشركات الأمريكية 109.1 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي، أما الصين فقد استثمرت 9.3 مليار دولار، والمملكة المتحدة استثمرت 4.5 مليار دولار. وقد ساهم هذا التوجه في اعتماد الذكاء الاصطناعي بمختلف قطاعات الأعمال، متضمنة تحسين سلسلة التوريد وأتمتة خدمة العملاء مما أحدث ثورة في أداء الأعمال.
- مجال الاكتشاف العلمي: لقد حققت أنظمة مثل AlphaFold 3 وESM-3 تقدماً هائلاً في التنبؤ ببنية البروتين ونماذج مثل GNOME تكتشف بلورات مستقرة لتصنيع الروبوتات وأشباه الموصلات. وقد تطورت مساهمات الذكاء الاصطناعي في مجالات كالتنبؤ بحرائق الغابات واستكشاف الفضاء، مما ساهم في حل التحديات العالمية المعقدة. لذلك حظيت هذه التطورات بتقدير وتمييز كجوائز نوبل التي مُنحت لابتكار متصل بالذكاء الاصطناعي في طي البروتين والشبكات العصبية العميقة.
- مجال التقدم التقني: حقق الذكاء الاصطناعي نقلة تقنية كبيرة في أدائه، فمثلاً، حققت نماذج الذكاء الاصطناعي زيادة في الأداء تصل إلى 67% في معايير جديدة، وقد احتدمت المنافسة بين النماذج مفتوحة المصدر ونماذج الملكية المغلقة، حتى أصبحت النماذج المفتوحة تضاهي في الأداء النماذج المغلقة تقريباً. وتُطوَّر معظم النماذج الجديدة حايًًا في مختبرات الصناعة، مما يعكس التأثير المتزايد للشركات في تشكيل مجال الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، لا تزال المؤسسات الأكاديمية تلعب دوراً أصيلاً في الأبحاث التأسيسية.
كما اشتدت المنافسة العالمية في أبحاث الذكاء الاصطناعي. فالولايات المتحدة الأمريكية تواصل ريادتها في تطوير نماذج متقدمة، بواقع 40 نموذجًا بحلول عام 2024، بينما قفزت الصين قفزة كبيرة لسد الفجوة، حيث أنتجت 15 نموذجًا رائدًا. ونتج عن ذلك احتدام سباق ابتكارات الذكاء الاصطناعي.
- مجال الحوكمة: مع تزايد نفوذ الذكاء الاصطناعي سخّرت الحكومات جهودها لتنظيمه، فقد أصدرت الولايات المتحدة 59 لائحةً تتعلق به في عام 2024، كما أعلنت كندا والصين والمملكة العربية السعودية عن استثماراتٍ كبيرة في الذكاء الاصطناعي لإدراكها بتأثيره الاستراتيجي وانعكاسه على قدراتها التنافسية. كما أن منظمات دولية كمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، تعمل على وضع أطر لحوكمة الذكاء الاصطناعي لضمان المسؤولية والخصوصية والشفافية والإنصاف والمساءلة.
يتقدم الذكاء الاصطناعي بوتيرة سريعة، يقدم أبحاث رائدة وخيارات واسعة لتقنياته وتأثير متعاظم في الحياة اليومية. ومع ذلك، يتعيّن معالجة قضاياه المتصلة بالحوكمة والأخلاقيات والاستدامة لضمان الاستفادة الإيجابية للمجتمع من تقنياته. ومع نهاية عام 2025، مستقبل الذكاء الاصطناعي سيعتمد على صلابة مواجهتنا لتلك التحديات. ولا مناص من التكامل بين خبراء التكنولوجيا وصانعي السياسات والمعلمين والخبراء والمرشدين لضمان تسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي بمسؤولية وعدالة.