احتفل العالم يوم أمس، باليوم الدولي للتضامن الإنساني، والذي يهدف، حسب الأمم المتحدة إلى الاحتفاء بوحدة البشرية في إطار التنوع، ولإذكاء الوعي العام بأهمية التضامن، وتشجيع النقاش بشأن سبل تعزيز التضامن لبلوغ أهداف التنمية المستدامة، وتحفيز مبادرات جديدة للقضاء على الفقر.
أما عندنا في البحرين، أستطيع أن أجزم أننا سبقنا العالم في تطبيق التضامن الإنساني على أرض الواقع، حيث إنه ممارسة وسلوك اجتماعي وإنساني وأخلاقي، يتربى عليه البحريني منذ نعومة أظافره، فنراه منذ الصغر يسعى إلى مد يد العون إلى كل محتاج، بما يملك، لا يتحجج بقصر ذات اليد، أو ببعد المسافة أو حتى باختلاف الأديان والعقائد والأصول والألوان.
ورغم مرور السنوات، لا زلت أذكر ملامح التضامن الإنساني الذي تربينا عليه، حيث كان الأطفال في المدارس يدخرون مصروفهم البسيط جدًا من أجل تقديمه دعماً لأشقاء أو أصدقاء تعرضوا لحالات أو ظروف استثنائية، وذلك من خلال حملات تبرع كانت تنظمها الجمعيات الخيرية والمؤسسات الرسمية.
هذا المشهد البسيط؛ هو في الحقيقة خلاصة ثقافة متجذرة في المجتمع البحريني، ثقافة لا تحتاج إلى مناسبات لأنها حاضرة في السلوك اليومي، وفي العلاقات الاجتماعية، وفي طريقة تعامل الناس مع بعضهم بعضاً، فالتضامن ليس شعاراً بل فعلاً يمارس، وموقفاً يتخذ، ومسؤولية يتقاسمها الجميع.
وحين ينظر العالم اليوم إلى التضامن الإنساني بوصفه أداة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ومواجهة الفقر والأزمات، نجد أن البحرين قد تعاملت مع هذا المفهوم منذ وقت مبكر بوصفه قيمة إنسانية وأخلاقية قبل أن يكون هدفاً تنموياً، لذلك لم يكن مستغرباً أن تحظى المملكة بمكانة متقدمة في ميادين العمل الإنساني، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي، عبر مبادرات إغاثية وتنموية امتدت إلى مناطق مختلفة من العالم، ووقفت إلى جانب الشعوب المتضررة من الكوارث والأزمات، دون تمييز أو حسابات ضيقة.
ويكفي أن نتأمل حجم التفاعل المجتمعي مع العمل الخيري والإنساني داخل البحرين، لندرك أن التضامن ليس حكراً على المؤسسات الرسمية، بل هو جهد تشاركي تتكامل فيه الأدوار بين الدولة، ومؤسسات المجتمع المدني، والجمعيات الخيرية والطبية، والأندية الرياضية، والمبادرات الأهلية، وحتى الجهود الفردية، هذا التكامل هو ما يمنح التضامن البحريني صدقه واستمراريته، ويجعله جزءاً من الهوية الوطنية لا مجرد استجابة ظرفية.
في اليوم الدولي للتضامن الإنساني، لا نحتفل في البحرين بذكرى عابرة، بل نستحضر مسيرة طويلة من العطاء والعمل المشترك، ونؤكد أن التضامن ليس خياراً مؤقتاً، بل نهج حياة؛ هو صورة البحرين المتكاتفة، المتلاحمة، التي ترى في الإنسان قيمة عليا، وفي مساندته واجباً أخلاقياً لا يسقط بالتقادم.
وفي عالم تتزايد فيه الأزمات والانقسامات، تبقى هذه الصورة، بكل بساطتها وصدقها، إحدى أجمل الرسائل التي يمكن أن تقدمها البحرين إلى العالم.