في الكلمات السامية التي تصدر عن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، وعن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، تتجاوز اللغة إطار المناسبة، وتتحول إلى خارطة طريق تُقرأ على مهل، وتُفهم في سياقها الأوسع، فهذه الكلمات تحمل دائماً إشارات هادئة إلى اتجاهات المرحلة، وتضع ملامح الأولويات الوطنية بلغة موزونة، تعرف ما تقول، وتعرف متى تقوله، وخلال كلمة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الأخيرة في احتفالات العيد الوطني، حضرت «الطبقة الوسطى» بوصفها إحدى هذه الإشارات اللافتة، حضوراً يعكس وعياً بطبيعة التوازن الذي يقوم عليه استقرار الدولة ومسارها التنموي.

فالطبقة الوسطى تمثل المساحة التي تتحرك فيها الحياة اليومية بسلاسة، وفيها تتشكل قرارات الأسرة، وتُبنى خطط التعليم، ويُدار الاستهلاك، وتُقاس القدرة على الاستمرار، فهذه الفئة تمنح الاقتصاد إيقاعه الطبيعي، وتربط بين الجهد الفردي والنتيجة المعيشية، وتحوّل العمل إلى قيمة اجتماعية جامعة.

في التجارب الاقتصادية المستقرة، شكّلت هذه الفئة العمود الفقري الذي يستند إليه السوق الداخلي، وذلك لأن حضورها الواسع يخلق طلباً متوازناً، ويسمح بنمو القطاعات الإنتاجية والخدمية في آن واحد، كما يوفّر بيئة قادرة على استيعاب التغيرات العالمية ضمن إيقاع متوازن، ومع هذا الاتساع، اكتسب النمو الاقتصادي معنى يتجاوز المؤشرات، وأصبح مرتبطا بجودة الحياة، والقدرة على التخطيط، والشعور بالأمان الاقتصادي.

كما تعد الطبقة الوسطى طبقة مهمة جداً في بنية الدولة، لأنها الفئة التي تتقاطع فيها فكرة الحقوق مع مفهوم الواجب، ويأخذ الاستقرار فيها موقع الخيار الواعي في السلوك العام، وفي داخل هذه المساحة، تتجذر قيم الاعتدال، وتترسخ الثقة بالمؤسسات، ويتحول الانتماء إلى ممارسة يومية تتجلى في احترام النظام العام، والالتزام بالقانون، والمشاركة الإيجابية في الشأن العام.

إن الطبقة الوسطى تمثل منطقة التوازن داخل المجتمع، فاتساعها يقلّص الفجوات، ويخفف حدة الاستقطاب، ويمنح النسيج الاجتماعي مرونة وقدرة على التماسك، فالأسرة المنتمية إلى هذه الشريحة تستثمر في التعليم بوصفه أداة ترقية، وفي السكن بوصفه ركيزة استقرار، وفي العمل بوصفه مسار كرامة، ومع هذا السلوك، يتشكل المجتمع بقدرة على التكيف والاستعداد للمستقبل.

ومن هنا يأتي تشديد صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء على أهمية الحفاظ على الطبقة الوسطى وتعزيز قوتها الشرائية ضمن خطاب وطني شامل، يربط بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وكفاءة إدارة الموارد، فالإشارات الواضحة إلى دعم المسكن الأول، وتعزيز البرامج الموجهة، وتوجيه الموارد الوطنية بما يخدم حياة المواطن، تعكس تصوراً يرى في التوازن المعيشي أساساً للاستقرار العام.

ويتكامل هذا التوجه مع الحديث عن الذود عن المال العام وكفاءة الإنفاق، بوصفهما عنصرين حاسمين في بناء الثقة، إن إدارة الموارد بروح المسؤولية تمنح السياسات العامة مصداقيتها، وتخلق شعوراً عاماً بأن التنمية تسير في مسار منضبط يخدم المجتمع ككل.

ولذلك فإن التركيز على الطبقة الوسطى في هذا التوقيت يحمل دلالة تتجاوز الظرف الآني، فهو تعبير عن رؤية دولة تدرك أن استدامة النمو ترتبط باتساع قاعدة الاستقرار، وأن قوة المجتمع تنبع من توازن طبقاته، وأن الإنسان حين يشعر بالأمان الاقتصادي يتحول إلى شريك فعلي في مسيرة التنمية، وفي هذه المعاني تغدو الطبقة الوسطى ركيزة أساسية للمشروع الوطني، وعنواناً لاقتصاد يخدم المجتمع، ولمجتمع يحمي استقراره بثقة ووعي.