تكتسب قضية تأثير الذكاء الاصطناعي على المرأة العاملة في كل دول العالم أبعاداً متنامية؛ وذلك بحسب الدراسات الدولية التي تشير إلى أن الوظائف الإدارية والابتدائية التي تشغل النساء فيها حيزاً كبيراً، هي الأكثر عرضة للاستبدال بأنظمة الذكاء الاصطناعي، وليست البحرين ومنطقة الخليج العربي بمنأى عن هذه القضية.
هذا الأمر يظهر اليوم بوضوح في بعض الوظائف الأولية ولعل أبرزها «روبوتات الدردشة» التي انتشرت في القطاع المالي والمصرفي لتحل محل المرأة أو حتى الرجل الذي كان يعمل على التواصل المباشر مع العملاء، وانخفضت نسبة هؤلاء بصورة كبيرة وكان تأثيرها الأكبر على المرأة.
بل إن بعض الوظائف الأولية في أنظمة الامتثال بالبنوك، دخلها الذكاء الاصطناعي ليزيح العاملين في منظومة الإحلال وتوظيف الآلة بدلاً منها، ورغم أن هذه الأنظمة تشهد تطوراً يستلزم وجود القائد البشري، إلا أنه تم إيجاد حلول تقنية للعمليات الأولية مثل مراقبة العمليات والأنشطة وإعداد التقارير الدورية.
وتبرز هنا أهمية الاستثمار في المهارات المستقبلية، خاصة في ظل الطلب المتزايد على مجالات هندسة البيانات، والذكاء الاصطناعي التوليدي، والتحليل التنبؤي. فالتفوق الأكاديمي للمرأة البحرينية، الذي انعكس في كونها تشكل نحو 64% من خريجي التعليم العالي، يمثل قاعدة قوية يمكن البناء عليها للانتقال إلى وظائف الاقتصاد الرقمي والمعرفي.
وفي هذا السياق، يبرز النموذج البحريني كنموذج داعم وواعٍ بهذه التحولات، حيث تقود المجلس الأعلى للمرأة جهوداً مؤسسية متقدمة لدمج المرأة في مسارات التحول الرقمي. ومن خلال «الخطة الوطنية لنهوض المرأة 2025–2026»، يجري العمل على تعزيز جاهزية المرأة البحرينية لوظائف المستقبل، وتنمية المهارات الرقمية، ودعم الريادة التقنية النسائية، بما يضمن استدامة مشاركتها الاقتصادية.
ويتكامل هذا التوجه مع برامج بناء القدرات الوطنية التي تنفذها تمكين، والتي تركز على التدريب وإعادة التأهيل في مجالات البيانات والتقنيات المتقدمة، بما يتيح للمرأة الانتقال من الوظائف التقليدية إلى أدوار أكثر تطوراً في الاقتصاد الرقمي، بدل أن تكون ضمن الفئات الأكثر عرضة للإحلال.
ولا يقتصر هذا التحول على الموظفات فقط، بل يمتد إلى رائدات الأعمال، حيث أتاح الذكاء الاصطناعي فرصاً جديدة لتطوير نماذج أعمال مبتكرة تعتمد على البيانات، وتوسيع نطاق المنافسة محلياً وإقليمياً، مدعوماً ببيئة تنظيمية وتمويلية مشجعة.
إن التحدي الحقيقي لا يكمن في وجود الذكاء الاصطناعي، بل في سرعة الاستعداد له. ومن هذا المنطلق، فإن النموذج البحريني يقدّم مثالاً على كيفية تحويل التحولات التقنية إلى أدوات تمكين، عبر الاستثمار في الإنسان، وبناء القدرات، وتعزيز الشراكات بين المؤسسات التعليمية والقطاعين العام والخاص.
وعليه، فإن الذكاء الاصطناعي -إذا ما أُحسن توظيفه- يمكن أن يشكل رافعة حقيقية لتعزيز مشاركة المرأة البحرينية في الاقتصاد، لا عامل إقصاء، لتكون شريكاً فاعلاً في صياغة مستقبل العمل، لا متأثرة به فقط.