السعي للكمال جزء أصيل من الطبيعة البشرية، فهو دافع فطري نحو التحسين والتطور المستمر، لكن الكمال المطلق هدف مستحيل المنال، فالإنسان يسعى للكمال لكنه غير مدرك أن التميز في السعي نفسه، لا في الوصول لغاية لا يمكن بلوغها، بل على العكس في أحايين كثيرة يكون كمال النعمة بداية لزوالها!

ولنا في القرآن الكريم أمثلة كثيرة جسدت لنا رحمة الله وتدبيره في عدم اكتمال النعم قال الله تعالى في سورة الكهف: «أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً». خرق السفينة يبدو ضرراً في الظاهر، ولكنه كان رحمة وسبباً للنجاة وحفظ الرزق، والشواهد كثيرة في نفس السورة.

فعندما يكون خرق السفينة هو قمة المعروف، فقتل الغلام أيضاً هو قمة الرحمة، فاصبر على ما لم تحط به خبراً، هذه المجريات كلها والتي تراها من حولك في قمة الفوضى واللاعقلانية، تجري بترتيبات إلهية خفية تفوق استيعاب العقل البشري حتى لو كان نبي.

ومعظم النعم قد تبدو كاملة في الظاهر، لكنها غالباً ما تكون مصحوبة بتحديات واختبارات مؤلمة، وهي جزء من تدبير الله لتحقيق مصالح الإنسان وإعلاء شأنه، فكمالها قد يكون مرتبط بزوالها، وما يتوجب على الإنسان هو السعي والصبر والنظر إلى النعم بعين التعظيم لأنها منة وفضل من الله وليست استحقاقاً من العبد.

التحسين المستمر هو الهدف الحقيقي، والغاية الجوهرية هي كما يقال: «أن تكون أفضل لا الأفضل»، أي أن تحسن من نفسك وتطورها خيرٌ من أن تقارنها بالآخرين وتسعى للكمال المطلق، الذي سيولد بلا شك منافسة سلبية قد تقضي على قيمك ومبادئك، وفي المجمل لا شي يستحق كل ذلك.

رسالة أخيرة

وراء كل قضاء إلهي تدبير خفي، والأشياء الناقصة حياة أخرى.. قصة تخبرك أنّه مازال هناك ما تحيا لأجله، وتسعى لنيله، وتنتظر الغد.. وتتمعّن في الرجاء لطلبه!