ما زلت أتذكر كمية التوبيخ التي كنا نتلقاها من الأهل، ونحن صغار، إذا رمى أحدنا علبة عصير في غير مكانها، أو قام بأي سلوك لا يتوافق مع قواعد النظافة في الأماكن العامة.
يومها لم نكن نعرف مصطلح «الاقتصاد الدائري»، ولا نتحدث عن الاستدامة أو الانبعاثات، لكننا كنا نعرف شيئاً أعمق؛ وهو أن المكان الذي نعيش فيه أمانة، وأن البحر ليس مكبّاً، وأن الشارع امتداد لبيتنا.
تلك التربية البسيطة، التي شكّلت وعي أجيال من البحرينيين، هي ما نحتاج أن نستحضره اليوم ونحن نتحدث عن البيئة وإعادة التدوير.
وبالتأكيد فإن البيئة ليست شأناً حكومياً فحسب؛ بل علاقة شراكة حقيقية مع المواطن والمقيم، وسلوك يومي وسياسة عامة، وهنا تحديداً تتجلى أهمية ما تعمل عليه وزارة شؤون البلديات والزراعة، بالتعاون مع أمانة العاصمة والمجالس البلدية في المحافظات، في ترجمة هذه الشراكة إلى فعل ملموس.
وهنا لابد من الإشارة إلى تصريح المهندس الشيخ محمد بن أحمد آل خليفة، وكيل وزارة شؤون البلديات والزراعة، والذي أشار فيه إلى استكمال توزيع 300 مركز لإعادة التدوير ومعالجة النفايات في مختلف محافظات المملكة، وهو رسالة واضحة بأن الدولة قامت بدورها، وفتحت الباب أمام المجتمع ليكمل المشوار.
الأرقام تتحدث؛ فمنذ يناير وحتى أكتوبر 2025، تم جمع 279 طناً من المخلفات القابلة للتدوير، أكثر من 209 أطنان من الورق والكرتون، و28 طناً من البلاستيك، ومثلها من الزجاج، إضافة إلى 14 طناً من المعادن.
لكن، ورغم كل هذه الجهود الجبارة يبقى السؤال الحقيقي؛ ماذا عنا كمواطنين ومقيمين؟ هل نعامل مراكز إعادة التدوير كجزء من ثقافتنا اليومية أم كديكور؟، لأن الاقتصاد الدائري يبدأ في المطبخ وبقرار بسيط، وبقناعة أن ما نرميه اليوم يمكن أن يعود غداً مادة نافعة، وفرصة اقتصادية، وتقليلاً لواردات النفايات إلى المدفن، وحماية لبحر نحبه وأرض نعيش عليها.
وبدون شك فإن البحرين، الكبيرة بوعيها، قادرة على أن تكون نموذجاً في أفضل الممارسات البيئية. لدينا ثقافة احترام القانون، وحرص فطري على النظافة، وتربية اجتماعية تقول إن «الوصخ عيب»، ولكن ما ينقصنا هو الاستمرارية والالتزام اليومي.
ما تقوم به وزارة شؤون البلديات والزراعة يضع الأساس الصحيح؛ البنية التحتية موجودة، والاستراتيجية الوطنية لإدارة المخلفات تسير بخطى واضحة، والشراكات مع شركات التدوير والمجتمع المحلي تعزز الفكرة وتمنحها بُعداً اقتصادياً واعداً.
الحفاظ على البيئة يتحقق بعادات صغيرة، فعندما نعلم أبناءنا ألا يرموا علبة عصير في غير مكانها، سنكتشف أننا نمارس أرقى أشكال الاقتصاد الدائري، تماماً كما علمتنا أمهاتنا.. بالفطرة.