ما تضمنته الدعوة المنسوبة إلى ما يسمى بـ «علماء البحرين» لـ «التظاهر الحاشد» خلال الأسبوع المقبل يؤكد دورهم في إرباك الحياة في هذه البلاد، فالبيان الصادر باسمهم والذي وردت فيه عبارات من مثل «الجيل الواعد» و»جيل الفدائي» يبين أنهم يؤيدون المواجهة مع رجال الأمن والتحريض على التحرك في مساحة العنف، وإلا فما هو تفسيرهم لدعوة الشباب الذي تم نعته بهذه الصفة «لأن تكون له بصمته المتميزة» و»التمسك بزمام المبادرة»؟ وما هو تفسيرهم للدعوة إلى «المشاركة في جميع الاحتجاجات» التي وصفوها بالسلمية؟ وما هو تفسيرهم لتوجيه التحية «للحضور النسوي» الذي وصفوه بالواعي والقوي»؟ مثل هذه البيانات تزيد من حالة التوتر وتسهم في تعقيد المشكلة، وما كان ينبغي أن تصدر من هذه الفئة تحديداً على اعتبار أنهم الأقرب إلى الحكمة والعقل ومن ينبغي أن تصدر عنه المبادرات المعينة على لم الشمل وحل المشكلة.

لغة البيان لا تتناسب مع من يتخذ من هذا الاسم صفة وعنواناً، ولو أنه صدر عن أي جهة أخرى لما احتاج إلى مثل هذه الوقفة، فليس هذا دورهم وليست هذه اللغة التي تليق بهم، وليس هكذا ينبغي أن يكون موقفهم. دخول المنتمين إلى هذه الفئة في هذه المساحة يعني أنه كان لهم دوراً في ما حصل قبل ستة أعوام من الآن، ويعني أنهم يمارسون التحريض بدل أن يكونوا سبباً في إخراج البلاد من هذه المحنة. أياً كانت الأسباب فإن الأكيد هو أنه غير مقبول وغير مستوعب صدور مثل هذا البيان عن «العلماء» الذين يفترض أن يكونوا مثالاً ونموذجاً وسبباً في حل المشكلة وليس في تعقيدها وتوسيعها.

يكفي ما مر على هذا الوطن في السنوات الست الأخيرة، ويكفي ما عاناه الجميع من تصرف قاصر قام به البعض الذي من الواضح أنه لم يدرك أن الأمور يمكن أن تتطور وتصل إلى ما وصلت إليه، ويكفي ما أصاب الكثيرين ممن لا علاقة لهم بذلك البعض، ولأنه يكفي كل ذلك لذا فإن صدور مثل ذلك البيان عمن يفترض أن يكونوا سبباً في الانتقال إلى المرحلة المبتغاة يعتبر إساءة لهم ولا يسجل في رصيدهم الوطني، فمثل هذه الدعوة لا تليق بهم، مثلما أنه لا يليق أن ترتكز مواقفهم على ردات الفعل، فما أصابهم أصاب غيرهم، بل أصاب حتى من لا علاقة له بكل ما حدث لا من قريب ولا من بعيد.

ما جرى في الرابع عشر من فبراير 2011 ليس كما تم وصفه في البيان المذكور وليس كما يتم الترويج له عبر الفضائيات «السوسة» وينشره بعض من اختار الإقامة في الخارج، ولولا ما جرى في ذلك اليوم لما عانى الوطن من كل هذا الذي عانى منه في السنوات الست الأخيرة ولما عانى المواطنون بكل فئاتهم من آثار ذلك.

كان المفترض أن يستغل «العلماء» المناسبة التي يريد أن يحتفل بها البعض هذه الأيام ويوظفها لصالح أهدافه ليقولوا ويفعلوا ما يعين على إطفاء النار وليس ما يزيدها اشتعالاً وأن يكونوا «محضر خير» خصوصاً وأن الأبواب أمامهم لا تزال مفتوحة ويمكنهم التوفر على القنوات التي توصلهم إلى أصحاب القرار.

بذلك البيان الذي انتشر مؤخراً ولم ينفوا صلتهم به يؤكد أولئك «العلماء» ضلوعهم في كثير مما حدث في السنوات الست الأخيرة ويؤكد أنهم دون القدرة على قراءة الساحة، وما يجري من تطورات في الداخل وفي الإقليم، ويؤكد كذلك انسياقهم وراء غيرهم ممن «يمتلكون التأثير في الجماهير»، والذين كثرت تصريحاتهم في الآونة الأخيرة وكثر تحريضهم ولم يترددوا حتى عن دعوة «العلماء» إلى لبس الأكفان والتضحية بأنفسهم ليكونوا مثالاً يحتذى!